موت الغرب وأفوله.. تأملات وهواجس!

د. محمد السيد السّكي | استشاري تحاليل طبية وكاتب وروائي مصري

إن هؤلاء المتصيدة لكل تصريح أو صورة يجدوا فيها قبساً من نار نتنة غير موضوعية ينالون بها من فريستهم النقية والمسالمة، لَهُم مردةٌ أعداء منهجية التنوع وغياب المنطق وتغول الجحود.. وهناك محاولات آثمة من كثيرين؛ يدعون أنهم أهل ثقافة وتنوير لا يجدون مناسبة إلا ويهاجمون فيها الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب علماً بأن الشيخ رجل علامة معتدل الفكر صاحب فلسفة ورؤية يبعد كل البعد عن الدنية والمغالاة وفيه رفعة ونفحة صالحة واباء ويكره الانبطاح.
بمناسبة صورة الإمام الأكبر التي رصد فيها مصور صحيفة النيويورك تايمز الشيخ الطيب بجوار كتاب أفول الغرب لحسن أوريد. تلك الصورة قوبلت باستياء واستهجان بعض المغرضين الذين اتهموا الإمام الأكبر بأنه جاحد لفضل الغرب الذي إن أفلت شمسه فلن يجد الشيخ علاجا له!
وكما يرى الفيلسوف الألماني أوسوالد شبنجلر في كتابه “تدهور الحضارة الغربية”أن كل حضارة مثل الكائن الحي الذي لابد أن يكون له ربيعاً وصيفاً وخريفاً وشتاءً ولابد من الأفول ثم الانهيار.
إن نشأة الحضارات وانهيارها لهو سنة إلهية كونية تتماشى مع قوانين الطبيعة وقوانين المجتمعات والعمران وهي ترسيخ لمبدأ حاكم في قوانين الطبيعة يتمثل في الهدم والبناء؛ كما التفاعلات الكيميائية الحيوية في داخل جسم والمسماة الأيض الغذائي تتسم بتفاعلات هدم وبناء؛ فخلايا الدم الحمراء التي تتكون بتفاعلات معقدة ما تلبس إلا أن تتكسر كل أربعة شهور. كما إن تناول السكر العادي في طعامك (sucrose) الذي يتكسر إلي جلوكوز وفركتوز وكلاهما يمر بتفاعلات هدم ويتحول إلي مركبات أبسط يمكن من خلالها إنتاج الطاقة.
إنه الموت وإنها الحياة، التي تدهم كل كائن، وكل جرم سماوي وكل جسيم دون ذري، الكل يفنى والله هو الحي الذي لايموت. فأين الفرس والدولة الخمينية والساسانية واين كورش العظيم؟ بل أين الإسكندر الأكبر وأين الملوك الفراعين؟

في كتاب “أمريكا بين عصرين” الصادر عام ١٩٧٠م نرى رائد الفلسفة السياسية الأمريكي العبقري زنجيو بريجنسكي يتوقع بأن نهاية الاتحاد السوفيتي في نهاية العقد الأخير من القرن العشرين ولقد تحققت نبؤته وتحقق استقراؤه، كما إنه يتوقع نهاية نجم أمريكا في نهاية العقد الثلاثين من القرن الحادي والعشرين وأنا بقدري المتواضع أوافقه الرأي، وهناك عشرات الدراسات والتوقعات من كبار الفلاسفة والمفكرين الغربيين يتوقعون أفول شمس الحضارة الغربية الحديثة.
لقد توقع الكاتب المغربي حسن أوريد في كتابه “أفول الغرب” تقهقر شمس الغرب لعوامل كثيرة ومقدمات عديدة وأوصى بضرورة عدم التبعية للحضارة الغربية وضرورة الاستقلال عنها، ناهيك عن توقعات أستاذ العلوم السياسية ومساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق جوزيف ناي بتراجع صدارة أمريكا للمشهد العالمي، وتوقع تغول الصين في ظل استدانة أمريكية فظيعة والذي رصد ذلك في كتابه “هل انتهى القرن الأمريكي؟ الصادر ٢٠١٥ م والذي ترجم للعربية عند طريق المركز القومي للترجمة ٢٠٢٠ م ..
وبتخوف شديد وبقراءة استقرائية قائمة على الإحصائيات فإن السياسي والمفكر والكاتب الأمريكي الكبير باتريك جيه بوكانن يقفز باللفظ المهذب من أفول الغرب إلي (موت الغرب) كما يحمل ذلك العنوان كتابه..
لقد كان بوكانن مستشارا لثلاثة رؤوساء أمريكيين ويعرض في كتابه أسباب توقعه بموت الغرب لا حضارتهم فقط مستنداً على سببين: وهما التدهور والتردي الأخلاقي الغربي وقلة الإنجاب في الغرب مع الموت الطبيعي.
يرى بوكانن أن تبني ثقافة تحديد النسل في الغرب والزيادة السكانية الرهيبة في العالم الثالث تمثل تهديداً خطيراً للغرب؛ بل وتنذر بانقراضه.
يوضح الكاتب أن التفكك الأسرى والميل إلي العلاقات غير الشرعية والنأي عن الزواج أدى إلي إحصائيات مخيفة فحوالي ٢٥ ٪من الأطفال الأمريكيين أُنجبوا من علاقة غير شرعية كما أن ثلث الأطفال الأمريكيين يعيشون من غير أحد الأبوين.
لقد زاد الإجهاض بعد شرعنته في الغرب من ٦ آلاف حالة في أمريكا عام ١٩٦٦م إلي مليون ونصف حالة ١٩٨٦م، وهناك ثمانية ملايين أمريكي يدمنون المخدرات، ناهيك عن ذوات المثلية الجنسية وانتشارها بشكل واسع في الغرب؛ بل واقترب رويداً رويداً للأسف من عالمنا العربي.
ما أحوجنا أن نأخذ بنصيحة حسن أوريد بأن نفكر جيداً في َأهمية عدم التبعية للغرب ونتعامل جيداً مع كلمات باتريك جيه بوكانن الذي قال: إن الغرب سيموت ولم يقل إن حضارته ستموت.
رغم ضرورة تنظيم الأسرة في ظل تحديات اقتصادية مقلقة تجتاح مجتماعاتنا إلا أنه لابد من الاستفادة بالثروة البشرية كما تفعل الصين والهند.
علو صوت المثلية الجنسية والعزوف عن الزواج وعدم النسل هي عوامل تعرية مقلقة تجتاح أمتنا ولابد من طرق جرس الإنذار..
يامن تستبعد أفول شمس حضارة الغرب عليك أن تتأمل في الزيادة السكانية الكبيرة التي يشهدها العالم الآن.. فلقد وصل عدد سكان الأرض ٨ مليار نسمة ومتوقع أن يكون ١١ مليار عام ٢٠٥٠م وهذا رقم خطير وينذر بكوارث ونزاعات كما أن العلماء يرون أن تلك الأرقام تشكل خطراً بيئياً لما تسببه من زيادة عوادم الصناعة وقلة المساحات الخضراء وتوسع عمراني ضد البيئة.. في ظل تلك الأرقام فان المتأمل يتوقع قرب غروب شمس كوكب الأرض لا حضارة بعينها!
واستحضر كلمات رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو: “أتمنى ان تدوم دولة إسرائيل وتتجاوز عامها المائة لأن كل دول بني اسرائيل لم تستمر أكثر من ثمانين عاما إلا دولة حمونائيم”، وجدير بالذكر إن دولة حمونائيم أو الدولة الحمونية كانت في عهد البطالمة وكانت لبني إسرائيل.
مما تقدم يتضح لنا جلياً أن قراءات الشيخ الطيب واعية جداً وتلمس الواقع وكل انسان حر فيما يقرأه فلما تحجرون على الإمام الأكبر ؟ ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى