قراءة نقدية لقصيدة (جدل) للشاعر رافد عزيز القريشي

عبد الباري محمد المالكي | ناقد من العراق

عند تساؤل وجيه … هل يحق لشاعرنا القريشي أن يتوقع منا أن نعرف ركنه الخاص به في عالمه الجدليّ هذا ؟ أم إنه يتوقع منا أن ننظر إلى الأشياء بعينيه الغامضتين إن استطعنا أن ندرك محيطه الشعري وأن نكتشف نوع الشعر الذي يخطه بسوائل مراياه وعقله المخمر، واللذين كانا هما الأرضية الصلبة التي عرض شعره علينا ، فأوجزها رزايا ، وظلاً ، وأوهاماً، وخطايا زرعها في كل زاوية من زوايا جدليّته ، بدمع ٍ راوده ُ ، وحزن ٍ سكبه ُ، وجهل ٍ افتُرِي َ به عليه.

وتلك … هي الحقيقة الساطعة التي وجدناها في غموض قد توكّد في كل بيت من شعر القريشي ، وفي نغمات ضبابية حضرت ، حتى أخذ يشد ّ على أوتار قلبه ، ويجادل نفسه كلما قال قائل ُ، حاملاً تيه الرزايا التي اتسم بها ، فشاعرنا حاضر في ذهنه القديس ، وروحه التي لا جسد لها إلا الحزن الماثل، والشرود الذائع ، والنقائض التي تزيّا بها ما بين وفاء ٍ مستديم، وكذب ٍ يظنه محضاً ، وما بين عفة حاضرة ، ونفاق ٍ يزدريه ، وما بين إفك ٍ عَم ّ طوفانا ً، وعدل ٍ لايجدي حينها نفعاً، وما بين باطل ٍ يثويه حين لايسود حق ٌ فلا يأمنه من خوف ٍ أو جوع .

كل تلك الجدلية المبهَمة… كانت سفسطة ً لأحلام القريشي، أثرت به، وصنعته كلمة ً بيّنة، وإيحاء ً جليّاً ، وتصوراً معلَنا ً ضمن مديات ٍ غير ساكنة في قالبه الشعري، حيث استُل ّ من واقع الحواس والجسد ، وأغرِز َ في صور الغفلة والرياء، فقبره البارد في رمله ِ قد أمدّه بروح ٍ لاتجفل ، وذات ٍ أحجمت عن لذة الكلام إلى عفة الصمت.

والقريشي… رحالة متجول لايدّعي أنه اكتشف شعراً مغايراً ، بقدر ما يعترف أنه فتح على نفسه نمطاً من الريبة والتوجس، وأن الإيمان الذي لايحس به سواه إنما هو خسارة تلف ّ غيره، فيتوارى شاعرنا المسكين مختفياً في سفسطة أحلامه ، يبوح بسحره الدافئ المشوّق وهو يُصغي إلى أنغام عوده ِ على شطآن خوفه، بصوت يكاد يكون مخبوءاً ، يتردد صداه عالياً بين حزن ٍ ووجع ٍ مسربلين ِ في صمت ِ ليله ِ الكئيب .

***

قصيدة (جدل ،،،) للشاعر رافد عزيز القريشي

أجادل نفسي

كلما قالَ قائلُ

وأحملُ تيهاً

للرزايا يجادلُ

أخمرُ عقلاً

كان بالظلِّ يحتفي

وأرسم وهماً أرهقتهُ القلاقلُ

 

أفتشُ عني

في خطايايَ علّني أراني بوجهي والمرايا سوائلُ

يراودني دمعٌ

وخدّي ممزقٌ

ويَسكبُني حزنٌ

وذا الحزن ماثلُ

ويجهلني يحيا

بِمنفايَ سيرهُ

ومن قال إني

في منافيَ جاهلُ

تركتُ حياتي قاب قوسين تختفي

وذعتُ شروداً بالخفايا يباهلُ

ومزقتُ ليلي

في قناعٍ لبستهُ

ومنزلُ فجري

ترتديه المنازلُ

أنا محضُ كذبٍ والمراؤون أخوتي

نشرتُ نفاقي حيثما مالَ مائلُ

أنا ألف موتٍ

كَسَرَ اللحدُّ أضلعي

وما زلتُ أحكي

أن مثواي غافلُ

وما زال قبري يشربُ الماءَ رملهُ

ويبعثُ أفكي حين يثويه باطلُ

يناقضني بعضي

وبعضي أُعدهُ

لنافذةٍ فيها

تصول العواذلُ

ويحملني خوفي لشطأنِ خوفهِ

ويورثني أمساً شحوباً يماطلُ

ويعرفني صوتي

بأني من أنتهى

يُسفسطُ أحلاماً

بها الأفكُ عادلُ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى