قراءة في رواية: محاولة عيش للأديب المغربي محمد زفزاف
فاطمة الزهراء بوشرب | المغرب
زفزاف كاتب وقاص وروائي مغربي. ولد بمدينة سوق الأربعاء سنة 1945، هاته المدينة التي كانت شاهدة على ميلاد كاتب كبير سيخلد اسمه بقوة في عالم الشعر والرواية. عاش زفزاف طفولة امتزجت بالقسوة والفقر والحرمان وتوجت مرارتها بفقدان الكاتب لأبيه في سن مبكرة.إلا أن زفزاف ناضل في سبيل تحقيق ذاته،حيث أكمل دراسة الجامعية وحصل على شهادة الإجازة في مادة الفلسفة، ليعمل بعذ ذلك أستاذا بمدينة القنيطرة وبعدها سينتقل إلى مدينة الدار البيضاء ويقطن بحي المعاريف مستمرا في عمله كأستاذ وبعدها مسؤول مكتبة. ليتفرغ بعدها للكتابة.عاش زفزاف بوهيميا متمردا بفكره عاشقا للقلم رفيقا للكتاب.جمع بين الشعر والرواية والقصة حتى لقب بشاعر الرواية المغربية. ومن أهم أعماله نذكر أغنية الرماد (1963)، صليب وأمل (1964) من أعماله الروائية:المرأة والوردة (1972)، قبور في الماء (1987)، أعماله المسرحية: الكلب مقتول على الرصيف (1972)، ما حدث للشاعر فرانسيس حام في جنوب المغرب (1976)، بيت الرامود (1998).
تميز زفزاف بمهارة إبداعية قل نظيرها، وبلغة أدبية عبرت بقوة عن مظاهر الحرمان والبؤس الإجتماعي. مما جعله أبرز الكتاب المغاربة والعرب. وساهم في إعطاء دفعة قوية ومميزة للرواية والقصة المغربية. توفي دوستيوفسكي المغرب كما كان يلقب بالدار البيضاء سنة 2001 لكن اسمه ظل خالدا في سماء التميز والإبداع.
يمثل العنوان أحد اهم العتبات التي يجب دراستها والغوص في تحليلها. لأنه مرآة العمل الأدبي، وجسر وصل بين القارئ والرواية،ودلالاته تمارس سلطة التأثير والجذب. محاولة عيش، هذا العنوان يتكون من لفظين، محاولة: وتعني إدراك الشيء وانجازه وهي من فعل حاول يحاول. عيش: الحياة وما يرافقها من متطلبات من مأكل ومشرب ورزق. إنها مجرد محاولة مشحونة بظروف قاسية ومريرة، تتخبط في دواليبها شخصيات الرواية مع غياب تام لظروف العيش الكريم.
ونستحضر بقوة غلاف الرواية الذي يتميز بخلفية بيضاء مائية هي نفسها اللوحة التشكيلية التي توجد ضمن الغلاف وتعبر هذه اللوحة التشكيلية عن ثلاث اشخاص يجلسون القرفصاء.إن الجنس الأدبي ـ الرواية ـ والذي ينتمي له المؤلف موجود في الاعلى وهو ذو لون ابيض وخلفية حمراء في حين ان اسم صاحب المؤلف والذي هو محمد زفزاف يتواجد مباشرة تحت نوع الجنس الادبي الا وهو “الرواية” ويتميز اسمه بالوضوح وذلك بفعل لونه الاسود، ويتواجد ضمن خلفية بيضاء هي خلفية الغلاف ككل . اما العنوان فهو بالحرف الواحد “محاولة عيش” إنه ذو لون ساخن “الأحمر” دلالة على دينامية و سخونة الاحداث في الرواية وسرعتها وكثرة احتكاكها مع بعضها البعض.وأخيرا في الاسفل دار النشر التي وضعت اسمها ورمزها اسفل الغلاف و بسمك صغير جدا.
إن هذا العمل الإبداعي شهد ميلاده سنة 1985بدار النشر التي تحمل اسم المركز التقافي العربي. ونحصر عدد صفحات الرواية في 96 صفحة.
برع زفزاف في نحت معالم البؤس والفقر والحرمان الذي تعيشه هاته الفئة المسحوقة،المهمشة من الشعب المغربي. اختارها زفزاف ليدافع عنها ويكشف اللثام عن معاناتها ومآسيها.من خلال قراءتي للرواية يتضح جليا،عمق الدلالات والمعاني،وحمولة القضايا التي تختزنها الرواية. حيث يحاول الكاتب تعريتها وكشفها، مراقصا الحروف والكلمات ليشكلها كما يشاء في قالب أدبي شاعري تعجز عن وصفه معالم الجمال والإبداع.
بلغة كاشفة برزت ملامح البؤس، الفقر، الحرمان، الفساد الإجتماعي والأخلاقي، الرشوة التي تستفحل في كل المجالات وتسود في جميع المستويات، الجوع، الظلم،الإقصاء الإجتماعي، اللاكرامة واللا إنسانية، مكانة المرأة في المجتمع المتسمة بالذنيوية،البطالة، الجهل،الأمية،الشطط في استعمال السلطة،الطفولة المغتصبة، غياب شروط العيش الكريم…
حميد بطل الرواية الذي اشتغل بائعا للصحف، بدل أن يدرس ويتعلم حملته الحياة مسؤولية تفوق سنه. ظروف عمل قاسية وقاهرة مستنقع الظلم والحكرة يتخبط فيه حميد،ويجلد بسوط الإهانة والإذلال من طرف حراس البواخر، الشرطة، رئيسه…لقد دفع حميد من ماله الذي يجنيه من بيع الصحف ثمنا للمعاملة الطيبة والحسنة الذي أضحى يحظى بها من طرف والديه، بدل القسوة و الجفاء. لقد كشفت الرواية أن أطهر العلاقات وأعمقها والروابط الأكثر متانة وصلابة في الحياة ألا وهي علاقة الإبن بوالديه لديها ثمن. لقد خلق زفزاف دينامية بين شخوص الرواية وصراعات و تناقضات صارخة تجلت في الظلم، التسلط، القسوة. وعلى الطرف النقيض نجد الحب، العطف والإنسانية التي تجسدت في شخصية غنو فتاة الليل.
إن رواية محاولة عيش ذات 12 فصلا.هي صرخة قوية في وجه الحرمان والبؤس الإجتماعي بلغة كاشفة لا تكرس الواقع بقدر ما تنتقده وتفضحه بهدف تغييره للأفضل.