خريف العمر وخريف الوطن

سمير حماد | كاتب وشاعر سوري

لم تخرج أوروبا من عصور الظلام, إلا بعد أن فصلت الدين عن الدولة, وأبعدت الكنيسة عن السلطة, ولم تصبح أميركا دولة عظمى إلا بعد أن قتلت الله, ودفنت حثّته بين جدران الكنائس, وأقامت حكم القانون المدني محلّه, وأما نحن العرب, فبعد أربعة قرون من عصر الأنوار الأوروبي, وبدء عصر الحداثة, وجدنا أنفسنا نبحث عن الأحزاب الدينية لتدير شؤون دنيانا, وتحكمنا, بعضها متشدد, والبعض الآخر معتدل, ونكاد ننسى شعار (الدين لله والوطن للجميع).

ونحن نرى أن هذا الدين, يُزوّر ويُساء استعماله, ويُحمّل ماليس فيه, في الوقت الذي نرى فيه الوطن أيضاً, موضع تجاذب بين أبنائه, كلٌّ يدعي أنه الوطني الوحيد, الذي يستحق شرف المواطنة والحكم, بعيداً عن الأهليّة والكفاءة, حيث الإنسان يكون أيّ شيء إلاّ حقيقته, فالإنسان في هذا المجتمع العربي أو ذاك, يعيش ويموت بصفته جماداً, لابصفته إنساًناً حيّاً, يتحرّك, وهو يسير, لكن لا بأقدامه, لكن بقوّة تأتيه, وتدبّ فيه من الغيب, كما يتوهّم أو يتعلّم, إنه يعيش في الوقت المستقطع من حياته, حيث العتمة هي الشبح المسيطر في هذا العالم.
وأنا, المواطن العربي, في هذه العاصفة المغبرّة, أنتظر الرحيل, على الرغم من أنني, ربما لن أكون قادراً على الفوز به, حيث لاقطار ولا محطّة, ولكنه هذيان مستمرّ بين خريفين, خريف العمر وخريف الوطن, الوطن المباح لخفافيش الظلام, القادمين من الكتب الصفراء, وجحور الكهنوت, ومحافل الفتاوى , وبطون التاريخ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى