أضغاث صحوتي.. من بين حياتين، السلام لكِ يا ست الود (14)

منال رضوان | أديبة وإعلامية – الإسكندرية

كنت أتعجب عندما يمر أحدهم بتجربة قاسية، فتجده وقد تغير بعدها تمامًا؛ فيصير ذلك الإنسان أهدأ، أو ربما العكس، وقد ينعزل عن العالم ويزهد الحياة، أو لعله يقبل عليها في شغف، وكأنه شغف الحب الأول!
أو قل شعف تلك القبلة المختلسة في هنيهة صفو من صغير يشب بأطرافه؛ ليستشرف العالم ويحتويه بين أضلاعه.
عانيت تجربة شديدة الوطأة قبل أسابيع قليلة، وظننت بعدها أنني سأواصل حياتي على الوتيرة ذاتها،
– سأظل أنفعل على أمور تافهة، أو أتمسك بأشياء، افلاتها من بين أصابعي كان فرض عين، أو بمثابة الواجب مني تجاه ذاتي.
العجيب أنني صرت أهدأ بالفعل؛ لكنني ممتلئة بالشغف. صار شغفي نحو الكتابة أكثر وأكثر عن ذي قبل، ولم أتخل عن لمحة من جنون يعرفها عني كل من اقترب، ولا ينزعج منها كل من رحل؛ فلا تثريب.
أذكر أن (الكانيولا) كانت مستقرة بأوردتي وعقب عودتي من المستشفى بسويعات قليلة، قررت أن أسجل انطباعي عن إحدى الروايات الحديثة، فكتبت قراءة تتكون من حوالي ١٧٠٠ كلمة تقريبًا، استعنت فيها بأكثر من سبعة مراجع.
وبعدها أنجزت ثانية بل وثالثة وبعض القصص القصيرة وخواطر أكتبها بين حين وآخر.
في الأيام الأولى من هذا الشطط، خبأت ما أفعل عن زوجي، بل وعن الجميع، ولم أصارح غير صديقتي القريبة مني كنفسي والتي أحرقت بودها المسافات، صديقتي وداد .. (ست الود أو وناسة) كما يطيب لي أن أناديها.
انفعلتْ في بادىء الأمر، وأقرت الحقيقة التي لا يمكنني أن أخفيها عن أحد لفترة طويلة، ههه
(مجنونة يا منال. أنت مجنونة)
قالها قلب صديقتي المضطرب وقرأت خلجات أنفاسها الوجلة بين ما كتبته من سطور.
– لأخفف قلق رفيقة روحي، أخبرتها قائلة:
– أنا الآن أفضل وإن لم أكتب سأموت، الراحة هي الموت المؤجل، والكتابة أمست حياتي التي أستعير دقاتها إلى حين، ألم تقولي أنني :
(أغرق في حبري وأرقص على حد السيف)،
طيب خاطري أنها أدركت حالتي وقتها، ربما كان هذا لأنها كثيرًا ما تمر بالحالة ذاتها، وربما لأنها مبدعة حقيقية، لكن الأكيد كان ذلك لأن صديقتي نقية صادقة، في وقت بات الصدق عملة جيدة تنأى بنفسها عن الكثير من رنات صدئة لعملات أتخمت بها موائد واقعنا الزائف.
بقى لي أن أقول،
ربما.. وقد تركت أجزاء مني دون إرادتي تناثرت في البلد الطيب الذي فيه ولدت، كما أنني أسكنت قلبي بمأمن عند عتبات البلد الجديد؛ فأنا الآن سأكتبني، وقد تحررت من ثقل الجسد أو تعنيف القلب.
الآن، والآن فقط بوسعي أن أحرر خواطري والخيالات الدخانية الكثيرة التي تداعبني كل حين، وأحيا معها فوق السطور ألف حياة وحياة.

لوحة محمد رضوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى