على وزن عصفور!
علي جبار عطية
هل ظلت للغة العربية تلك الهيبة التي كانت عليها في مطلع القرن العشرين؟
نعرف جواب ذلك في تعمد مقدمي البرامج استسهال استخدام اللهجة الدارجة بدعوى الوصول إلى الجمهور، وهم بالحقيقة يدارون ضعفهم وجهلهم.
يورد الدكتور جمال الدين فالح الكيلاني في مقالٍ له على شبكة (المعرفة) حكاية يروي فيها كيف أنَّ الدكتور طه حسين كان يتبرم من وجود الدكتور مصطفى جواد (١٩٠٤م ـ ١٩٦٩م) في أيام الاجتماعات السنوية في مجمع اللغة بالقاهرة، وكتب العقاد مقالة يذم بها مصطفى جواد لأنَّ راعي اللغة العراقي نبش أبحاثه فكشف عن أخطاء لغوية ونحوية وإملائية ما كان ينبغي أن يقع فيها أديب عملاق كالعقاد !
وعلى الطرف الآخر فإنَّ علاقة النحوي بالسياسي تبقى ودية فالعلامة مصطفى جواد خاطب الزعيم عبد الكريم قاسم قائلاً: أرجو يا أيها الزعيم لا تقل: (الجَمهورية) (بفتح الجيم)، بل قل : (الجُمهورية) (بضم الجيم)، وتقبل الزعيم النصيحة لكنه تساءل عن السبب، فقال له مصطفى جواد: وذلك لأنَّ المأثور في كتب اللغة هو (الجُمهور) بضم الجيم، ولأنَّ الاسم إذا كان على هذه الصيغة وجب أن تكون الفاء أي الحرف الأول مضمومة لأنَّ وزنه الصرفي هو فُعلول كعصفور !
ويذكر الإذاعي الرائد حافظ القباني في كتابه (الإذاعة العراقية.. تاريخ وذكريات) أنَّ إذاعة بغداد كانت تذيع في الساعة التاسعة مساء حديثاً للدكتور مصطفى جواد
يقول عنه القباني في باب (استمع) الذي كانت تنشره جريدة (الشعلة) البغدادية (١٩٥٤ ـ ١٩٥٦): لا تدع هذا الحديث يفوتك فإنْ لم يعجبك موضوعه فحتماً سيعجبك إلقاؤه، فالدكتور جواد رحمه الله كان يمتلك صوتاً جهورياً، واضح النبرات، متكاملاً من حيث التمكن من توضيح مخارج الألفاظ خاصةً وأنَّه كان يبتغي نشر النطق باللغة الفصحى نطقاً جيداً واضحاً يظهر جمال اللغة وبلاغتها ونحوها وصرفها. وقد تعلم على يديه الكثيرون من أبناء ذلك الجيل وقد اشتهر له حديث إذاعي طريف بعنوان (قل… ولا تقل) ومعناه : قل الصحيح (ثمَّ يتلفظه)، ولا تقل الخطأ (ومن ثمَّ يتلفظه) وكانت هذه خير وسيلة لتقريب اللغة العربية الصحيحة إلى إذهان المواطنين.
ومع كل هذه العناية باللغة يقول الدكتور صفاء خلوصي عن مصطفى جواد (إنَّه كان مؤرخاً أكثر منه لغوياً، وحتى في دراسته للغة كان مؤرخاً للغة، وقد أتقنها لدراسة التاريخ ليس غير).