دعاةُ إصلاح .. أم أبواقُ فتنة؟

صبري الموجي

لما وقع سهيلُ بنُ عمرو خطيبُ قريشٍ وفصيحُها أسيرا للمسلمين فى غزوة بدر، استأذن عمرُ بن الخطاب النبى مُحمدا صلي الله عليه وسلم فى قطع لسانه وتحطيم أسنانه جزاء هجائه النبى، وتأليب المشركين عليه، فأبى النبي أن يُمثل به؛ مخافة أن يُمثل الله به يوم القيامة، ثم قال لعمر: لعله يقفُ موقفا يسُرك، وتحققت تلك النبوءة، إذ لمّا همّ أقوامٌ من مكة بالردة بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم وقف سُهيلُ فيهم خطيبا وثبّتهم.

والمؤكد أن موقف سهيلٍ مع المُرتدين – بعدما حسُن إسلامه – يُظهر ما للإعلام من دورٍ تنويرى وتثقيفى أخطأه كثيرٌ من الإعلاميين؛ جريا وراء الشهرة الرخيصة، والنجومية الزائفة التى تتعمد إثارة الفتن، ونشر الأراجيف، التي هي أشبه ببنزينٍ يُسكب على النار فيزيدها اشتعالا !

وقد تعددت صورُ الإعلام الهدّام، الذى يتقاضى أصحابه الملايين، جراء ما يبذرون من بذورٍ للشقاق، لن يجنى من ورائها شعبُنا إلا الجراح.

ومن تلك الصور: استضافةُ الإعلامى ( اللوذعى) بعضا من الفُرقاء لمناقشة قضية من قضايا الساعة، يقف فيها الفريقان على طرفى نقيض، وكلما هدأت الحلقة، حرّك المُذيع النار تحت الرماد، وطرح سؤالا يزيدها اشتعالا، فتنعقد حلبة الصراع من جديد، ويشتد وطيس المعركة، ويكثُر الشتم، وتُرفع الأحذية، وهو ما شاهدنا فى أكثر من برنامج ومع أكثر من مُذيع !

وقديما قيل إن فاقد الشيء لا يُعطيه، وهو مثلٌ أغفله بعض الإعلاميين، ومنهم إعلامىٌ يُشار إليه بالبنان، كثيرا ما نادى بالأخلاق وحارب الرذيلة، وما إن بعد عن الكاميرات حتى اندس فى حفلات الرقص والمجون، حسب ما قاله مُغن شهير.

ورغم أن نبينا حذر من ترويج الشائعات، فقال صلى الله عليه وسلم : كفى بالمرء إثما أن يُحدث بكل ما سمع، إلا أن بعض الإعلاميين وجد فى الشائعة مادة خصبة لحلقته، وانبرى فى نشرها دون أن يتحرى صدقها، ويتأكد من صحتها، بل وهرع البعضُ إلى تسجيلات مُسربة نسج على منوالها رُباعيات من الأكاذيب، نافست رباعيات الخيام، فزاد النار اشتعالا والطين بلة، بدلا من أن يحرص على رأب الصدع وتضميد الجراح.

ومن المشاهد المُؤسفة لكثير من الإعلاميين عدمُ الثبات على المبدأ، والحرصُ على ركوب الموجة التى تؤدى إلى الشهرة المنشودة، فكثيرا ما اهتبل بعضُهم الفرص، واستضاف شخصيات تصدرت الساحة، وما إن دالت دولتهم، وأفل نجمُهم حتى انقلب عليهم، ورماهم بالسوءات.. واليوتيوب شاهد !

ولو سلمنا بحرية الرأى، وأهمية الإعلام فى استنهاض الأمم، وتفجير طاقة الشباب للعمل والإنتاج، فإن ما يُشوه الثوب الناصع للإعلام، هو تعمُدُ بعضِ الإعلاميين إشاعة الفتن والأراجيف، التى جعلتهم أبواق فتنة لابد أن نحذرهم.  

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى