ال “نعمة” الكبرى !
محمد حسين | القاهرة
لايوجد مكان آخر فى العالم ، يمكنه ان يكون بديلا عن الوطن ، وكل الذين غادروا وطنهم لاسباب مختلفة ، لم يفارقهم ابدا الحنين للعودة إلى وطنهم ، سواء للإستقرار بعد سفر طويل ، او فى زيارة قد تطول او تقصر ، يشبعون فيها أشواقهم التى لا تهدأ ، أو للدفن فى ثراه بعد إنقضاء الأجل.
الوطن < نعمة > كبيرة ، لايشعر بها إلا من فقدها مضطرا ، وعاش النفى التهجير القسرى والفرار والشتات ، للنجاة من الموت والجحيم ، وباتت عودته مرة أخرى أمرا مستحيلا وبعيدا المنال ، وعليه أن يهيأ نفسه لحياة دائمة فى المنافى .
لن أنس أبدا هذا اللاجئ العراقى الذى التقيته فى زيارة للنرويج ، وبعد تعارف قصير بيننا راح يبكى بحرقة ، وهو يتذكر أهله والاصدقاء ، ويسأل الله ألايموت فى غربته، وأن يدفن عند رحيله فى تراب وطنه ، وبعد أن هدأ سألته إن كان يعانى فى منفاه من صعوبة العيش ، فرد بأنه يشعر أنه يعيش هنا فى الجنة ، ولكن حنينه إلى وطنه ينغص عليه حياته .
الوطن – بعد الارض – ليس علما وشعارا ونشيداوأغنية ، وإنما هو حياة للناس اولا ، حياة قوامها الإشباع الإنسانى ، بمختلف متطلباته المادية والمعنوية ، وهو مايعكسه مدى رضاء البشر عن أحوالهم ، فإذا ما ارتفع منسوب هذا الرضاء ، كان الوطن دارا للطمأنينة والسعادة ، أما إذا ما انخفض المنسوب ، فالنتيجة المحتمة هى فقدان الإحساس بالوطن وقيمته ونعمته ، أو مانطلق عليه غياب الإنتماء الوطنى .
فى كل الأحوال لاتستحق الأوطان اللعنات ، كما إنها ليست جديرة بمشاعر السخط والغضب ، فهى فى النهاية من صناعتنا ، وكما نكون تكون هى ، دون زيادة أو نقصان.
هولاء الذين يلعنون أوطانهم ، ويسعون إلى إشعال النيران فيها ، هم أعداء وخصوم للشعوب ، وإن إدعوا عكس ذلك ، وهم مثل الذى يسرق بيت أبيه حتى يثق فيه اللصوص ، فحظى بغضب الأب وفقد ثقة اللصوص .
الوطن < نعمة > كبرى تضم كل النعم الاخرى ، وصيانة هذه النعمة < فرض عين > على الجميع ، وواجب الوقت وكل وقت ، وهو أمر لن يتحقق إلا بعمل مخلص ومثابرة وإرادة بناء قوية ، والبناء هنا للإنسان اولا ثم الحجر بعد ذلك .
الحقيقة أن الاوطان تصان بشعوبها ، ولكن بشرط أن تكون شعوبا حرة و مستنيرة ، لاتزحف على بطونها من أجل < لقمة عيش > !.
♡ فى الختام .. يقول سيد حجاب :
< طعم الحنين .. مر
ولسانى
فيه حنين > .