مأساة دولة حديثة.. حاميها حراميها!
بقلم: عصام الياسري
على أثر إشاعة بعض السياسيين المتدينين ذريعة ما يسمى بفتوى المرجع الديني بأن: “ممتلكات الدولة وأموالها مجهولة المصدر”، يتجاوز أصحاب السلطة وأحزابهم ومنتسبيهم بطريقة بشعة على ثروات العراق منذ احتلاله ولغاية اليوم دون مشرع قانوني أو مصوغ دستوري، بعيدا عن القيم والأخلاق، وحتى المبادئ الدينية السمحة… بيد أن العهود والمواثيق التاريخية والأعراف المجتمعية تؤكد على أن: كل ما فوق أرض دولة محددة المساحة حتى آخر نقطة جغرافية لحدودها، أن كانت موارد أو ثروات طبيعية أو عقارية أو زراعية أو حيوانية، هي ملكية عامة ومصدر من مصادر الدولة واعتباراتها القيمية التي تخضع لأحكام القانون حصرا، بالإضافة إلى أنها تمس حياة المواطن والمجتمع. الأمر الذي يجب أن تحترم وتصان وان لا يلحق الأذى بها حالها حال الأماكن المقدسة.
في الفترة من 24 إلى 27 أغسطس 410 م، تم نهب روما أثناء احتلالها من قبل المحاربين القوط الغربيين تحت قيادة ألاريكوس. كان هذا أول احتلال لروما منذ غزو (الغال) عام 387 ق م، وكان بمثابة نقطة تحول في تاريخها. أدى إلى زعزعة الثقة في الحكومة الرومانية. وأدى النهب إلى تسريع تدهور المدينة وجعلها أن لا تكون مقرا إمبراطوريا دائما لما يقرب قرن من الزمان. المعلومات الموثقة حول مسار الأحداث، وصفت، المحتلين، بأنهم لصوص غير متحضرين وأن سكان المدينة عانوا من غزو ألاريك لروما باعتباره كارثة. فيما أكد العديد من المؤرخين، بأن الأحداث لا تتعلق بغزو روما من قبل البرابرة الغازاة، بل بالأحرى نهب منهجي، من قبل جيش من المرتزقة المتمردين على الدولة في سياق عمل حرب أهلية لأجل السيطرة على السلطة والمال والجاه.
إنها أول ظاهرة عالمية، من خلالها ظهر الارتباط العالمي الذي أنتج وجوها لا حصر لها، وبأشكال مختلفة للغاية- شكلت لقرون من التدخل الأجنبي الاستعماري في العديد من البلدان، منها في المقام الأول، ظاهرة الحكومات غير المستقرة والضعف الاقتصادي والصراعات العرقية والدينية التي أفرزت عواقب مباشرة أو غير مباشرة. ومنذ القرن الخامس عشر فصاعدا، غزا الأوروبيون جميع مناطق العالم للاستكشاف والتجارة والحكم والاستغلال والسرقة. وبحلول عام 1866، قام الأوروبيون بترحيل أكثر من اثني عشر مليون أفريقي كعبيد لممتلكاتهم على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي. وبلغت القيمة الإجمالية لجميع السلع التي سرقها البريطانيون في الهند- على سبيل المثال من خلال فرض ضرائب عالية للغاية على السكان المحليين، والأرباح من الاحتكارات غير القانونية وببساطة من خلال السرقة- بمبلغ لا يمكن تصوره وهو 45 تريليون دولار أمريكي. ومهما كانت الدوافع، فإن النتيجة الإجمالية بسيطة بقدر ما يتعلق بشأن الأوروبيين، فالأمريكيون واليابانيون فيما بعد، قهروا شعوب العالم ونهبوا خيرات بلدانهم بما فيه الاثار التاريخية العريقة.
في القرنين السابع عشر والثامن عشر، احتاج حكام حقبة “الحكم المطلق” إلى قوة تكون دائما متاحة لتأمين وتوسيع نفوذهم- فكان إعداد ما يسمى بالجيش الدائم، من “المرتزقة”. أدت دوافع مختلفة لاتخاذ القرار لأن تصبح مرتزقا. قام بعض الشباب باتخاذ هذه الخطوة بسبب الصعوبات الاقتصادية (تم تجنيد الأطفال أيضا كمرتزقة)، وكان آخرون يبحثون عن المغامرة أو يأملون في الحصول على الغنائم، وقرر العديد أداء هذه الخدمة لفترة محدودة بسبب الاضطهاد الديني. وفي بعض الأحيان كانت مجرد طريقة لكسب العيش. وبالنسبة للبعض، بدا الارتزاق حالة إيجابية للغاية: لقد حصل الجندي على أجره وتم إطعامه، وقد يرتدي زيا فاخرا، وكان يتجول بمسدس، وهو ما لم يُسمح للرجل العادي بفعله. كما أنه لم يعد خاضعا للولاية القضائية المدنية فيما إذا حكمت عليه محكمة عسكرية في حالة نشوب نزاع.
النتيجة: إن ميزان مشروع الاحتلال بواسطة العملاء والمرتزقة، كان ولا زال مدمرا، شمل على أبعاد غير مسبوقة، التسلط والنهب الاقتصادي والفساد، بالإضافة إلى المجاعة والإبادة الجماعية بأسلحة الدمار الشامل المحرمة. والأخطر تأسيس أنظمة حكم متخلفة كما هو الحال في العراق. بلغت آثاره المدمرة على السكان والمدن والقرى، بما في ذلك تخريب الصناعة والزارعة وممارسة القتل والإرهاب، والأخطر نهب الدولة وممتلكاتها باسم الدين والفتاوى الجاهلية.