إحياء لسيرة الروائي سعد مكاوي 

د. هبة الغنيمي | القاهرة

” البناء السردي في روايات سعد مكاوي ” هي دراسة نقدية متميزة و فاحصة أحيت بها دكتورة سماح الوكيل أدب الروائي و الصحفي المصري المعاصر الذي اشتهر برواية ” السائرون نياما ” و الذي وافته المنية سنة 1985 م ، و هو الذي تولى الاشراف على صفحة الادب في جريدة عام 1947 م بعد عودته من باريس ، انتقل للعمل بجريدة الجمهورية عام 1963 م  و نشر على صفحاتها رائعته التاريخية ” السائرون نياما ” و يتبارى بها مع نتاج ادبي لكتاب كبار امثال يوسف ادريس و عبد الرحمن الشرقاوي ، تلك الرواية التي ستظل علامة أيقونية للرواية التاريخية في مصر فهي ذات تقنية فنية عالية و رؤية تاريخية للمجتمع المصري خلال فترة العصر المملوكي .

تقلد الكاتب مناصب مهمة مثل العمل في وزارة الثقافة مشرفا على لجنة النصوص السينمائية و قبل سن المعاش عمل رئيسا لهية المسرح و كانت اخر اعماله الوظيفية هو مقررا للجنة القصة بالمجلس الاعلى للفنون و الاداب و هو العمل الذي لازمه حتى وفاته .

لقد كان سعد مكاوي عازفا عن الشهرة رغم عمله الطويل في الصحافة ووزارة الثقافة لميله للتأمل و هو طبيعة أصيلة في تكوينه كما ذكر هو نفسه في حوار له مع الكاتب عبد العال الحمامصي و لم يكون ابدا زهرة المجلس ونأى بنفسه عن الضجيج و الشللية و الزحام .

في نشأته و تكوينه في الريف المصري الذي يسوده عبق التصوف كتب سعد مكاوي مايشبه الثنائية بين الريف و المدينة ، و لقد تناولت دكتورة سماح الوكيل هذه المنطقة و غيرها بالدراسة و التحليل و التفكيك و النقد في كتابها الحاصل على جائزة   ” المعرض الدولي للكتاب فرع الأدب لعام 2022 ” ، عن جدارة ، تحت عنوان ” البناء السردي في روايات سعد مكاوي ” و الذي تناولت فيه بحرفية ناقدة ذات عين ثاقبة و أدوات تفكيك و تحليل متمكنة و على درجة كبيرة من السلاسة و الدقة معا في العرض ، تحدثت فيه عن بنية الزمن السردي في رواياته و لغة السرد عند سعد مكاوي و التي تميزت باللغة التراثية التاريخية و اللغة الصوفية ايضا خاصة في رواية ” لا تسقني وحدي ، و الجدير بالذكر أن سعد مكاوي عبر عن الشخصية المصرية ببراعة و صدق من خلال اعمال الروائية و لقد ابدعت د. سماح الوكيل في الكشف عن دلالة المكان في نصه الروائي و عن تحليل وظائف الحوار و عن التقنية السينمائية في رواياته ، و كان لافتا للنظر بشدة ما عملت على رصده في دراستها عن السرد الذي استخدم تقنية تيار الوعي و هي نوع من القصص يركز فيه اساسا على ارتياد مستويات ما قبل الكلام من الوعي للكشف عن الكيان النفسي للشخصيات و هو عملية فنية خلاقة في تركيب اللقطات و اتساعها و تهدف الى الجمع بين الصوت و الصورة معا بشكل ابداعي جديد .

كما رصدت تلك اللغة الصوفية التي تحملنا الى أجواء خاصة ذات دلالات وأبعاد ايجابية لا تهدف تحديدا الى نقلنا الى عالم التصوف و المتصوفة كظاهرة دينية بل الى مستوى لغوي و دلالي تم استخدامه رمزيا لرصد عالمنا الروحي في ظل الصراع مع الواقع المعاش .

دراسة بديعة أدخلتنا باقتدار الى عالم سعد مكاوي الروائي الفريد ، تستحق القراءة بتمعن كما تستحق روايات سعد مكاوي أن تقرأ و تعود حية من جديد .     

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى