غضب إسرائيل من اتفاقية جنيف
توفيق أبو شومر
لماذا غضبتْ إسرائيلُ على الموقعين على اتفاقية جنيف يوم 24/11/2013 بشأن السلاح النووي الإيراني؟
ليس السبب يعودُ فقط إلى أن الاقتصاد الإيراني سينتعش من جديد، وأن الإيرانيين سيخرجون من ضائقة الحصار، بما يقوى إيران ويجعلها دولة كبرى.
ولا يعود سبب ثورة إسرائيل أيضا، إلى أن سوريا ستصبح قوية بحلفها مع إيران، ولا لأن حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي ستتقوى من جديد ،
بل إن هناك أسبابا أخرى أكثر أهمية من ذلك :
من أهم أسباب ثورة إسرائيل على المعاهدة، أنها فقدتْ ملفا ماليا ابتزازيا، نجحت في استخدامه مدة ثلاث سنوات كاملة، فبتهديدها بشن حرب على إيران، وخوف الدول الكبرى من الورطة، استفادتْ إسرائيل اقتصاديا،
فأقدمت أمريكا ومعظم الدول الأوروبية على استرضائها، وذلك بتقديم الرشاوى لها، في صورة التبني الأمريكي الكامل لمنظومة القبة الحديدة الإسرائيلية الصاروخية، وإمداد إسرائيل بأحدث الطائرات، طائرات الشبح الإف 35 ، ومنحتها الطائرات حاقنة الوقود في الجو، والقنابل الخارقة للأعماق، ومنحتها كذلك الرخصة في استخدام القواعد الأمريكية في المنطقة، ودفعتْ الدولُ الأوروبية لإسرائيل إتاواتٍ ماليةً ودبلوماسيةً ، نظير سكوتها عن إشعال حربٍ مع إيران.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل نجحت في إقصاء القضية الفلسطينية، عن مركز الصدارة في العالم، فاستبدل العالمُ كلُّه ملف فلسطين، والشرق الأوسط، بالملف الإيراني، ولم تعد إسرائيلُ هي التي تهدد السلام في العالم، بل إيران! وكان من نتائج تراجع المركز العالمي للقضية الفلسطينية، أن عاد الفلسطينيون للمفاوضات من جديد بلا شروط، وألقى الأمريكيون الفلسطينيين طُعما للإسرائيليين، نظير تأجيل قصف المفاعلات النووية الإيرانية.، وهكذا استُخدمت قضية فلسطين كقضية توظيفية،تخدم ملف النووي الإيراني،
وغضبة نتنياهو من الاتفاقية، تعود إلى خشيته من عودة دول العالم لفتح ملف الاستيطان، وتهويد القدس، والنقب، وغور الأردن، والجليل، كمقدمة لتصبح إسرائيل دولة اليهود فقط!
بالإضافة إلى ما سبق، فإن حكومة إسرائيل الحالية أحستْ بعد توقيع اتفاقية جنيف، بأنها ستتعرض لضائقة شديدة من المعارضة الحزبية الإسرائيلية، لأن الهدوء والسلام، هما ألدُّ أعداءِ حكومة إسرائيل المتطرفة، فالحكومات الإسرائيلية المتطرفة، تتفكك دائما في زمن السلام، وتتوحد فقط عند شعورها بالخطر، ومن هنا فإن اتفاقية جنيف سحبتْ هذا الملف من نتنياهو شخصيا، ووصل به الحال إلى أنه أسمى اتفاقية جنيف: إنها (أفدح الأخطاء التاريخية قاطبة).
وهناك سببٌ آخر وراء غضبة نتنياهو من اتفاقية جنيف، فبزوال التهديد النووي الإيراني، يضعف التقارب الإسرائيلي مع بعض الدول العربية، فقد استفادت إسرائيل بإدامة التهديد النووي، من تكوين أحلاف سرية واستخبارية، غير منظورة مع بعض الدول العربية، وبعض الدول الأخرى غير العربية.
وما خفي من أسرار هو دائما الأعظم!