“فرحة” فيلم النكبة الفلسطينية
بقلم: هناء عبيد
كثيرة هي مآسينا نحن الفلسطينيون، ما يثير الغضب أننا لا نستطيع التحدث عنها بصوت عال، يحاولون إخراس أصواتنا بأية وسيلة، فنحن ممنوعون من نشر قضايانا ومعاناتنا على وسائل التواصل الاجتماعي، لا بد أن نتحايل على المفردات بتغيير بعض أحرفها؛ حتى نستطيع النشر لتنزلق صرخاتنا من تحت قبضة الفلاتر المنصوبة لصيدها، لم يبق لنا وسيلة سوى الكلمة المطبوعة في الكتب، هذا إن وجدنا دور نشر يمكن أن تكون بالشجاعة لنشر الحقائق، أما عن الأعمال الدرامية، فكما نلاحظ جميعًا، لا يمكن أن تحوّل روايات المآسي الفلسطينية إلى أعمال درامية إلا بشق الروح، إما بسبب خشية المخرجين من مقص الرقيب أو الرفض، أو لأن بعضهم متواطئون مع الكيان الصهوني وداعمون للتطبيع.
لقد كان من الغريب أن يسطع شعاع فيلم درامي ويرى الشمس، وهو يتحدث عن حقائق فلسطينية. إنه فيلم فرحة للمخرجة الفلسطينية دارين سلام، الّذي يتحدث عن فتاة فلسطينية في الرابعة عشر من عمرها اسمها فرحة، الفتاة لها حلمها كأية فتاة أخرى، تتمنى أن تكمل دراستها لتصبح معلمة، أحداث الفيلم تدور في حقبة النكبة التي كان لها دورها في وأد أحلام فرحة لتذهب في مهب الريح، حيث تتعرض القرية التي تعيش فيها إلى غارات عصابات الهاجاناة، فيرحل أهل القرية من الذعر إلى القرى المجاورة، لكن فرحة تبقى في مخزن المونة حيث وضعها أباها الذي ذهب للقتال مع مجموعة المقاومين الذين وهبوا أنفسهم للدفاع عن فلسطين. وفي أثناء وجودها في المخزن، تشاهد جريمة قتل بدم بارد لعائلة فلسطينية كاملة على يد عصابة الهاجناة.
تم تصوير الفيلم في قرى الأردن، حيث تشابه الطبيعة والعمارة التراثية مع قرى فلسطين، تعرفنا من خلال الفيلم على بعض العادات والتقاليد في الأعراس الفلسطينية، حيث حفلة الحنة، كما ظهرت الملابس والأثواب التراثية. وكان لشجرة التين مكانها البارز في الفيلم، فهي الشجرة المباركة التي تشتهر بها فلسطين والتي ذكرت في القرآن الكريم. أيضا تأخذنا المشاهد إلى طبيعة الحياة أيام النكبة فنرى الأثاث المستخدم في تلك الحقبة، كما نتعرف من خلال مخزن المونة على طرق تخزين الأطعمة البدائية في فلسطين، فنرى عقود البامية المعلقة، والثوم، والجبنة المكبوسة المملحة والزيتون في المرطبانات، ونرى الجرة الفخارية التي نطلق عليها (الزير) والتي كانت تستخدم لتبريد الماء عوضًا عن الثلاجات الحديثة في وقتنا الحاضر.
لم يحدد الفيلم مكان قرية بعينها، وربما قصدت المخرجة ذلك، فقد تعرضت معظم قرى ومدن فلسطين إلى الغزو والدمار أيام النكبة وما زالت، وقد شرد معظم سكانها وتم قتل العديد منهم.
يتعرض الفيلم أيضًا إلى دور الأنظمة العربية المتقاعسة، التي وعدت بحماية فلسطين، لكنها تخاذلت عن ذلك ليجد الشعب الفلسطيني نفسه والجيوش العربية المشاركة بأسلحتهم المعطوبة في مواجهة عدو مزود بأحدث أنواع الأسلحة، لتكون الهزيمة هي الواقع الحتمي لهذه المعركة غير المتكافئة.
الغريب في الأمر أن الفيلم تم عرضه في قناة نتفلكس العالمية وهي التي تقف دومًا إلى جانب الاحتلال الغاشم، فكيف تم قبول عرض عمل درامي يظهر الحقائق وجزء من معاناة الشعب الفلسطيني؟!
وقد طالبت بعض الجهات الصهيونية بأن يتم وقف عرض الفيلم بحجة أنه مسيء، وأنه لا يصور الواقع، رغم أن ما جاء بالفيلم لا يمثل إلا حقيقة من آلاف الحقائق والمصائب والمعاناة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني.
قصة الفيلم حقيقية مأخوذة من أفواه أصحابها الذين آل مصيرهم بالمخيمات. وقد حاز الفيلم على العديد من الجوائز العالمية وهو الفيلم الأول الذي يوجه إلى المشاهد الأجنبي.
جاء في الفيلم مشهدان قد يدعوان إلى التساؤل، و ربما لا يعلم المغزى الحقيقي من عرضهما سوى صناع الفيلم، فقد أظهرت أحداث الفيلم بأن أحد سكان القرية كان خائنًا، حيث قاد جماعة من العصابات الصهيونية إلى مكان تواجد إحدى العائلات الفلسطينية، فهل كان المقصد الإشارة إلى واقعية الأحداث وعدالة نقلها؟! كما ظهر في أحد المشاهد تعاطف أحد أفراد العصابة الصهيونية مع العائلة بحيث أنه تألم حينما تم إعطاءه أمرًا بقتل أحد أبنائها. قد نفهم من هذا المشهد أن هناك من يُدفع دون رغبته بالقوة لارتكاب الجرائم، أو أن الإنسان يظل إنسانًا رغم اختلاف جنسيته ودينه وعرقه، وقد يتبادر إلى أذهاننا أيضًا بأن صناع الفيلم أرادوا أن يصبغوه بطابع الواقعية وأن ينقلوا الحقائق دون تحيز لأي أحد من الأطراف.
ترى هل سيكون لهذا الفيلم دوره في تعاطف الرأي العام العالمي مع قضية شعب شرد من دياره دون إرادته وانتشر في بقاع الأرض؟
وهل سيستمر عرضه في نتفلس القناة الأكثر انتشارًا في العالم والأكثر مشاهدة، أم سينتصر الشر على الخير فيتوقف عرض الفيلم؟!
هذا ما سنعرفه في الأيام القادمة.