طابعُ الدَّفْتَر الرَّمادِي

محمد خلاد السيكتاوي | الرباط

(اللوحة: الطفلة واليمامة للفنان التشكيلي الإسباني
‏Pablo Picasso)


لاشيء يُنسيني هنا
جحيم كوابيسها
زادتني ذكراها وجعا
على ما تَخَلَّف في أعماقي
من وجع يمزقني
لم أنقذها من حصار الماء
صرتُ كلما نَخَسَنِي أَلَمُ الحنين
‏‎أقلب صفحات الماضي
بحْثاً عنها

لم أعثُرْ على شيء
غير دفتر رماديٍّ مدسوس
بين أوراقي القديمة
في ثناياه فراشةٌ تيَبَّست
ولطخةُ حِبْر أذابتْها دمعةٌ
لعلّها لِي أو لتلك الصبية
التي أهدتْني الفراشة
ومسحتُ مِلْحَ خذَّيْها بقُبلة
هناك فوق تِبْنِ البيْدر
في حرِّ ظهيرة صيفية

بحثْتُ عنها
في صحائف الوقت
فرأيتُ امرأةً عارية
تخرج من تحت الأرض
مُعفَّرةً بالتراب
تَمَلَّيْتُِ وجهها مرعوبا
كانت نفسها الصبيَّة
التي تَهْجَعُ في نفسي
وتذكرت لحظتَها الأخيرة
وهي ترْفَعُ يدَها يائسة
تَدْفع تيارَ السَّيل الجارف
ثم تختفي بين الطمي والحجارة
في قعر البحيرة المُتَجهِّمة

وقفتْ ماثلةً أمامي
لا أدري كم من عام مضى
رأسها جمجمة مكسورة
وكفُّها الذي لوَّحتْ به مستغيثة
في ذلك اليوم العاصف
مِشْطٌ من عِظام
ارتجفتُ إذِ اقتربتْ مني
قبل أن تتلاشى فجأة
في غُبْشَةِ المساء

عدتُ أستجْلي ملامحَها
في ألبُوم الصور المدرسية
المليء بحشرات العُثَّة
تجعلك تعطس أكثر من مرّة
وتَدْعَك عَيْنيْك
قبل أن ترى شيئاً

بدَتْ لي كما كانت
ترتدي مِرْيَلَةً بيضاء
مرفوعةً قليلا فوق رُكْبَتَيْها
وشعرتُ كأنها تُحَدق فيَّ معاتبة
تحت إبْطِها سبورةٌ من اللاَّزَورد
ودفتر رمادي أعرفه جيدا
فقد كنتُ من لفَّه بعناية
في غلاف من ورق أزرق

تفحَّصتُ صورتَها طويلا
بدتْ كأنها تَضُمُّ إلى صدرِها يمامة
وتتمسك بالزمن الضائع
من عمرها القصير
حتّى تكتُبَ قبل الرحيل
اسمَها على طابع الدفتر
وحروفَ أبْجديتِها الأولى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى