موت النهر…

شوقي بغدادي-سورية 

في رثاء وجيه البارودي :

 

هل النواعيرُ من يبكي أم النَهَرُ
وليس في النهرِ الا الوحلُ والقذرُ
كأنه مات لما مات شاعره
وغاب من بعده السمّارُ والسمرُ
فكيف آتيك والدنيا مودّعةٌ
وحفرتي أتقرّاها وأنتظرُ
وكنت حين ازور النهرَ تحملني
طوّافةٌ منكَ تعلو بي وتنحدرُ
ارى عليها طبيباً ضاحكاً أبداً
وشاعراً كنسيمِ الروحِ ينتشرُ
وأنت فيها جميعاً ماثلٌ أبداً
كأن كلَّ حماةٍ فيك تُختَصَرُ

لا لست ارثيكَ بل ارثي المسرّةَ لم
تجِدْ وريثاً وأنعي الحُلمَ ينكسرُ
أيامَ كانت دعاباتُ الهوى لُعباً
تبدو رذاذاً ويهمي بعده المطرُ
فمرّةً انت مجنونٌ بها ولَهاً
ومرّةً هي مَنْ يشكو ويستعرُ
ولم تكن انت ذا صدقاً ولا كذِباً
لكنّه الشِعرُ والإيقاعُ والوتَرُ
ولم تكُ هيَ بدراً انت قلتَ لهُ
كنْ..فاستجابَ وهل يخفى مَنِ القمرُ
انت الجميلُ فإن جمّلْتَها جَمُلَت
وإن حسَرتَ فكلُّ الحسنِ مُنحَسِرُ
أغلى من الوردِ عطرُ الورد ينشُرُهُ
متَيّمٌ ويغنّيهِ فتىً عطِرُ
وإن بكى قيسُ ليلى فيك ملتَهِفاً
أعاده ضاحكاً مستبشِراً عُمَرُ

آتيك والريحُ في وجهي ومِنْ عَجَبٍ
أني وصلتُ ولم يرهقنيَ السفرُ
والسِرُّ في صحبةٍ هم أسرجوا فَرَسي
وحرّضوني وهم شدّوا وهم نفروا
آتيك في جوقةٍ منهم فإن عَزفوا
أشجوا وإن أظلمَت في وجههمم سهروا
وليس غيرُ دواليك التي غَرَسَت
يداكَ ما قطفوا منها وما عصروا
فإن أضاؤوا فمِن شعشاعها قبسوا
وإن تباهوا فمِن أعلاقها سكروا
ويضحكون لأن الكأس سلْطَنَةٌ
وإن بكوا فرياحينُ الأسى زُمَرُ

أمرُّ بالبلدِ المفؤودِ اسأله
اين المغنّي وهل من صوتِهِ أثرُ
أين الطبيبُ خصيمُ الفقرِ يهزمُهُ
والضعفُ يُقصيه والسرّاء يبتكِرُ
تغيّرَ البلدُ المحزوزُ واختلفت
على منابرهِ ألألقابُ والصُوَرُ
لو كان قلبي سليماً لافتديتُ بِهِ
فما عزائي وهذا الكنزُ مُنفَطِرُ
وما صنيعي بأفاقٍ مُلَوَثةٍ
وأين أمضي ودربي كُلُهُ حُفَرُ
لا لست ارثيك بل ارثي يدي وفمي
وكُلُ ذخري وجيبٌ خافِتٌ خَفِرُ
وأن ذكراكَ عِرزالٌ ألوذُ بِهِ
إذا تَهَدَدني في غابةٍ خطرُ
وأنّ كفّكَ في كفّي مُطَمْئنةٌ
أن المريضَ تعافى والردى قَدَرُ

١٦/٤/٢٠٠٧

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى