أدب

آخ

قصة قصيرة

د. محمد حسين السماعنة| الأردن

الآن يستطيع محمد ابن أبي جمال أن يمشي في القرية رافعا رأسه، وفاردا عضلاته، وحق له أن يتباهى ويزهو، فهو اليوم تخرج في الكتّاب، وأثنى عليه الشيخ فهمان أمام القرية كلها، وقال وهو يربت على كتفه:
هذا الولد فطحل.
وانهالت التبريكات على أبي جمال الذي استقبلها بزهو وحب وفرح.
المختار: الله يتمم اليوم على خير!
القطروز: يا مختار، ما ظنيت، لا يمكن أن يمر يوم يذكر فيه محمد ابن أبي جمال على خير!
رجل: يا رب سترك
أبو جمال بتباه وبابتسامة عريضة: …وحفظ ربع ياسين، وأتقن الكتابة والقراءة في شهرين.
وفجأة ارتفع صياح وبكاء في بيوت القرية، نظر الرجال إلى محمد ابن أبي جمال، ثم ركضوا إلى بيوتهم.
المختار للقطروز: “اركض وراهم”.
انتقل القطروز في ممرات القرية، وبين بيوتها، وعاد مسرعا إلى المختار، ووقف أمامه بارتباك وخوف.
– آه، خبّر
المختار وهو يمشي في المضافة جيئة وذهابا: “لا تدخّل علي أي واحد مريض، ومن اليوم ممنوع اي واحد من أهل الدار يطلع، أو ينزل، أو يحكي مع حد، فاهم؟ ولك هذه قرية، يعني خمسمائة آخ، فاهم شو يعني خمسمائة آخ؟”
تجمع الفلاحون في المضافة بصمت وقد استوطنت وجوههم علامات الخوف والحزن والقلق.
رجل بألم: قلت لزوجتي سلامتك، فانتقل إلي ما فيها من مرض ووجع وألم.
المختار وهو ينظر إلى القطروز نظرة شزراء: المهم الطريق إلى المضافة مفتوح، ومعبد!
القطروز برجاء وخوف وقلق: اللهم احفظ مختارنا!
رجل وهو يتأوه: قلت لجاري لا بأس عليك مشافى معافى، فانتقل إلي ما فيه من مرض وألم ووجع.
رجل بخوف: أمي مريضة وتحتضر …
رجل: وأنا زوجتي حامل، وتعاني من…
المختار: اهدوا، أكيد رح نلاقي حل،
ثم التفت إلى أبي جمال، وقال له بقسوة: “أكيد في لابنك الفطحل يد في الموضوع!”
ابو جمال غاضبا: ابني اليوم ما غاب عن عيني
المختار بنبرة قاسية: “طيب فسروا لنا هذا العجب العجاب، كيف بينتقل وجع المريض في قريتنا إلى كل من يسأل المريض عن حاله، أو يتمنى له الشفاء، أو يحزن لمرضه، أو يتعاطف معه، يا جماعة ما سمعت هذا في الأولين ولا في الآخرين”.
يخرج محمد ابن أبي جمال من المضافة غاضبا قلقا، ولا يحاول أحد منعه.
“أنا أعرف سلمى، ستتمنى أن تشفى أمها، وأنا سأتمنى أن تشفى سلمى وستتمنى أمي أن أشفى، آه أمي…!
كم قلت يا محمد ابن أبي جمال لسلمى أحبك! كم قلت لها عيوني إلك، فداك روحي، بفديك بعمري…
كم غنيت لها: “زحلق حبيبي عالدرج واوقعت أنا”
ولكن أمي!
مشى محمد ابن أبي جمال في ممرات القرية من غير هدى.
صوت من صدره: أتحبها؟
محمد ابن أبي جمال: عدد الحصى والثرى والتراب!
صوت عميق من القلب: افدها يا محمد، أليست حبيبتك؟
اقترب محمد ابن أبي جمال من بيت سلمى، وقف قليلا، نظر إلى شباكها المفتوح، ثم حمل وجهه بكفيه…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى