أصوات خفية في قصص (هواجس أنثى) للكاتبة الدكتورة سناء جعفر

محمد قدو الأفندي | أنقرة

تشعر المرأة في كثير من المجتمعات بأنها مضطهدة لوحدها لكن الحقيقة أن المجتمعات التي تعاني فيها المرأة من اضطهاد يعني أن الرجل مضطهد أيضا في ذلك المجتمع على حد سواء ويعني بذلك وجود ما يوحي بوجود اضطراب اجتماعي ترك اثره لاحقا في النفوس بصورة عامة وبدرجات تأثر متباينة ينال منه الضعفاء بصورة كبيرة .
تطرق الدكتور علي الوردي الباحث الاجتماعي العراقي كثيرا لاحوال المجتمع العراقي بصورة عامة وكانت له دراسات لمختلف شرائح المجتمع العراقي وتطوره ومقارنة كل شريحة مع أخرى داخل المجتمع العراقي وكذلك بين المجتمع العراقي وباقي المجتمعات في غيرها من الدول – ومعظم دراساته كانت تشريحية بحتة والذي وصف فيه الإنسان العراقي بأنسان مركب الشخصية وبمعنى أنه يتعامل كشخصين حيث يكون شرقيا عشائريا قبليا حاميا وفي نفس الوقت يمثل الانسان الغربي المتفتح الميال الى الحرية أو كما قال نفسه (الإنسان العراقي نصفه حاج عليوي ونصفه جيمس ستيوارت).


ورغم أن الوردي يحرص على أصالة تركيبة الإنسان العراقي المركب الشخصية، لكن هذا لايعفي وجود هزات اجتماعية دائمة في العراق شأنه شان كل المجتمعات والتي تتباين قوة تأثيرها حسب تماسك تلك المجتمعات وتظهر تلك التأثيرات بصورة جلية وواضحة عند وجود تخلخل في النظام الاجتماعي بصورة عامة ووجود خلل تركيبي في طبقة من طبقات المجتمع ، وتتأثر بصورة أكثر عند وجود عوامل أخرى مسببة .
بالتأكيد وكما ذكرت فإن تباين التأثير والحيف سيقع على كل أفراد المجتمع وسيكون الضعفاء هم أكثرمن يقع عليهم الحيف سواء أن كان رجلا أو أمرأة – والمرأة في رأس القائمة في معظم الأحيان، بمعنى أن الضرر الأكثر والنهائي سيصيب المرأة بكل تسمياتها شابة عزباء متزوجة مطلقة أو عجوز
اردت بهذه المقدمة أن أوضح وأشرح بصورة مبسطة ماكانت تعنيه الكاتبة العراقية الدكتورة سناء حعفر لمجموعتها القصصية والتي عرضت بمعرض القاهرة الدولي للكتاب كما أن هذه المجموعة القصصية معروضة الآن في معرض أربيل للكتاب ولاحقا في معارض أخرى في الخليج العربي .
بعض قصص هذه المجموعة حقيقية واقعية أرادت الكاتبة عرضها بأسلوبها مضيفة اليها المعاناة الحقيقية لشخوص القصة والقسم الآخر من هذه المجموعة القصصية استطاعت الكاتبة من إضافة حكايات تتتناغم مع المأساة التي تعيشها أصحاب القصص الحقيقية وتطرحها بأسلوب الإنذار الآتي وتطلب بذلك المجتمع من التكاتف لمنع وقوعها وتقليل مخاطرها .
ارادت الكاتبة ان تتكلم بلسان حال كل النساء فقامت بسبر أغوار المراة في كل أطوار حياتها وسني عمرها ومشاعرها المكبوتة والمعلنة، والمدهش في صفحات قصصها انها استطاعت من اختزال الزمان والمكان لبطلاتها وكأن الاحداث تدور في معظم المدن العربية في أوقات غير معلومة لايظهر منها ألا المعاناة التي أستطاعت وصفها بدقة وبصورة عامة ..
فهي تعبرعن مشاعر المرأة والتي هي أهم شيء في حياتها بكل جلاء، والمتحكمة في سلوكها وأفكارها وسعادتها وحزنها، كما أنها تتحكم في نجاحها، سواء في حياتها الخاصة أوحياتها العملية وبذلك تكون أكثر عاطفية من الرجل، ومن هنا كانت المراة دوما تحتاج الى من يفهم طبيعة مشاعرها وخصوصا المكبوتة بداخلها كشخصية ليلى في قصة (رد قلبي) حين امتزجت مشاعر الامومة المكبوتة بداخلها منذ الصغر وافصحت عن نفسها بحلم جميل مع شخصيتها القريبة الى قلبها انجي بطلة رواية رد قلبي المشهورة للكاتب القدير يوسف السباعي
وتوضح الكاتبة أن المرأة تعشق الاهتمام، ويبدو أن هذا أهم من الحب عندها، إنها تريد من يهتم بها وبكل تفاصيلها دائمًا، وقد يأسرها الاهتمام، بخاصة لو استطاع الرجل تفهم مشاعرها والاحساس بها، مضيفة أن حالتها النفسية قد تتأرجح بين ارتفاع للقمة تغمر فيها من حولها بالحب والحنان، كشخصية سحر في قصة (تضحية بدون ثمن) فقد استطاعت مشاعر حبها اللامشروط لمديرها في التضحية بنور بصرها من اجل مساندته والوقوف الى جانبه في محنته .
وبين انخفاض حاد للقاع يجعلها تعاني مشاعر سلبية مكبوتة، واحتياجات غير مشبعة تحتاج بشدة في هذا الوقت تحديدا إلى التحدث عن مشكلاتها، كشخصية مرام في قصة رحلة نحو المجهول وكذلك شخصيات قصة (صفعات مؤلمة) وأن يكون هناك من يصغي إليها ويفهم مشاعرها. وأضافت الكاتبة أن المرأةلا تبحث عن حلّ من الحلول للمشكلة، بقدر ما تبحث عمن يفهم ما تشعر به من أحاسيس سلبية ليخفف من تلك الضغوط، لذا فالكلام أو الحديث بالنسبة للمرأة عما بداخلها، هو رد فعل طبيعي وصحي لمواجهة المشكلة.
ومهما كانت شخصية المرأة قوية، فهي دائما تميل إلى رجل يحتويها، تشعر أمامه أنها طفلة في ظل أبيها، والرجل الذي يأسر المرأة هو ذلك الذي يشعرها بالأمان الدائم معه، وذلك لن يتحقق إلا عندما يكون قادرا على تحمل المسؤولية، وقادرا على صنع القرار، والتصرف في كل المواقف الصعبة، فالرجل إن أهمل في تحمل مسؤولياته أو أخفق يوما في اتخاذ قرار مناسب في الظروف الصعبة، فلن ينال ثقة المرأة وشعورها بالأمان، وقد يفقدها للأبد حتى ولو بدا له غير ذلك .
وقد تلجأ أحيانا إلى الانشغال عاطفيا بمشكلات الآخرين، لتنفس عن مشاعرها كشخصية سميرة في (قصة ثورة روح ) حينما فضلت العمل التطوعي وحب الاطفال الفقراء في منطقة نائية في افريقيا وكان هذا الحب هو البلسم الشافي لمشاعر الخذلان الذي شعرت به من قبل حبيبها.
وهنا المراة في قصتها (ثورة روح) مثقفة محاورة ورصينة رغم ان أحداث القصة تنحصر في تحولات قطعية اتخذتها مرغمة في حياتها بكثير من التعقل كأي صاحب رؤيا بدون تهور في الحديث أو حتى اتخاذ القرار – وعليه كان رد الفعل لمديرها يحمل كل انطباع الاحترام والتقدير نحوها بعد إصرارها على طلب الاستقالة ، وكيف لا وهي كاتبة صحفية لها عمود اسبوعي معتبر يحترمها كل المحررين الذين يعملون معها في الصحيفة ، ولكونها مثقفة ولها طابع مميز عن غيرها برقي افكارها وألمامها بكل الأمور إضافة الى فكرها الإنساني الذي وسع لها افق تفكيرها الايجابي بتوجهها الى القيام بالاعمال الخيرية من خلال منظمة تعنى بالأطفال في بلد نائي وبعيد متحملة الظروف القاسية لأيصال رسالتها الإنسانية والمجتمعية والتي بدأته مع عملها في الكتابة والصحافة .
هذه القصة ( ثورة روح ) هي ستارة مفتوحة لمسرح تتعرف من خلال خشبتها للمرأة المثقفة التي يحتم على الرجل مخاطبة عقلها الراجح الذي انتزع منه مخيلة الجاريات أوأميرات القصور حصرا، فهي التحقت بكليات القانون والهندسة والعلوم وهي المعلمة والباحثة والصحفية ولن تعيش حياتها على الهامش، بل بعقلها تستطيع ان تفرض نفسها على المجتمع حتى في حال وجود من لايؤمن بدور حقيقي للمرأة. وبهذا فهي تفرض نفسها على المجتمع – أن المرأة المثقفة يجب مخاطبة عقلها وعدم الاستهانة بها أو تجاوزها أو التقليل من شأنها مادامت هي مساهمة بفكرها وعملها في الحياة، وبالتأكيد أن التعامل معها بسطحية او التهكم أو الفوقية لايليق بها وهو خطأحمر بالنسبة لها ولايجب تجاوزه .
ومع ذلك فأنها بحاجه أيضاً للحب والإهتمام فليس لدى الرجل ما يبرر إهماله لإمرأة يحبها بدعوى أنها مثقفة وتستطيع التحكم فى مشاعرها أكثر فمهما بلغت درجات العلم تظل المرأة هى المرأة والأنثى التي تعشق الاهتمام كما هو الحال مع مديرها في العمل والذي ربما غاب عنه هذه الفرضية .
وختمت الكاتية مجموعتها القصصية والتي تتكون من عشر قصص- بقصة تحكي اسرار مشاعر نساء متباينة قابعة خلف نوافذ في قصة اسمتها (نوافذ) قسم من هذه النوافذ مضئ والاخر معتم وكل نافذة رسمت على زجاجها لوحة ناطقة بلسان عجز في اغلب الوقت عن البوح بمكنونات ماضمته مشاعر وهواجس الأنثى .
بقي أن نعرف أن المجموعة القصصية التي أصدرتها الكاتبة هي الأولى بعد سلسلة من المقالات والقصص والقصائد الشعرية في المواقع الأدبية العراقية والعربية والصحف، وأن مهنتها كطبيبة كان مؤثرا جدا في بنية القصص فقد استطاعت رسم أدق التفاصيل في حياة الأنثى بلوحات فنية تحمل أدق التفاصيل في حياة الانثى .

.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى