نحو فهم جديد للفروق الريفية الحضرية

د. محمد عرابي | أكاديمي مصري

يُطلِقُ علماء الاجتماع على السكان المشتغلين بالزراعة – بوصفها مهنة أساسية – ويسكنون القرى، أهل الريف “الريفيين” وما عداهم هم أهل الحضر أو “الحضريين”، ومن هنا جاء الخلط المباشر بين محل السكن أو الإقامة وبين المهنة باعتبارها أساسا للتقسيم الديموغرافي، وهو مالا يُقبَل في عصرنا الحالي؛ إذ إن النظرية المعتمدة على المهنة تقف عاجزة عن تفسير الظواهر المُحدَثة كظاهرة التريف Ruralization  أو ظاهرة التحضر Urbanization  لما لهما من انتشار عجيب متناقض في المدن التي تتحول أطرافها لمناطق ريفية في الصفات Social characteristics  والعادات والعلاقات الاجتماعية والعكس بالعكس في تلك القرى المتحولة لمناطق حضرية، على الرغم من وجود الزراعة بوصفها مهنة أساسية لغالبية السكان فيها، وهنا يأتي دور سوسيولوجيا الريف التي تضع القاعدة الواضحة: كل مجموعة من السكان يقطنون القرية، وتعتبر الزراعة سمتها الغالبة ريفيون، ولو لم يعملوا بالزراعة كمهنة أصلية، ويقصد هنا بكلمة “سمتها” صفة القرية، وليست صفة السكان، ومع التعدي الصارخ المتزايد على الأرض الزراعية تجد واقعا مريرا نتج عن النقص الحاد في الرقعة الزراعية، وهو ما يؤثر قطعاً في سلوكيات السكان ونفسياتهم ومتغيرات حياتهم سريعا؛ الأمر الذي ينعكس على ما نراه اليوم في شباب الريف المشهورين – سابقاً- بالكرم والشجاعة والنخوة والحمية، فتجدهم مسوخاً عجيبة لاهم بالحضريين المتمدنين هادئي الطباع، محدودي العلاقات ولاهم بالريفيين الأصليين، وهو بلا شك تمديناً وليس تمدناً؛ إذ إن فارقاً واضحا يميز بين الصنفين؛ فالتمدن هو الاتسام بسمات المدينة بشكل كامل، أما التمدين فهو التحول لمن يقلد أهل المدينة مع عدم القدرة على التخلي عن صفات الريفي البسيط، المباشر، العاطفي. ومن هنا تأتي أهمية الإعلام في أشكاله المتعددة لتميز كلا بصفاته، وتنشر الوعي الذي يبرز أهمية التنوع الديموغرافي لبناء الوطن الموحد، فالريفي بصفاته هو الشخص الأصيل البسيط غير المتلون؛ لبساطة حياته الريفية البعيدة عن التعقيد، وعن الأمراض الاجتماعية النابعة عن التنافس على موارد محدودة في المدينة، والمدني هو ذلك الشخص المتحضر حسن التصرف الذي يستطيع استيعاب كل الناس مهما تعقدت صفاتهم؛ ولهذا فالدعوة لهذه الحملات الإعلامية تميز الريفي بصفاته الحسنة والمدني بصفاته الحسنة أيضا، وترك سلبياتهم يجعل فكرة الاستيعاب هي السائدة بديلا للعنصرية البغيضة التي تدعو كلا الجانبين إلى النظر للآخر بنظرة الازدراء الذي لا ينتج عنه مجتمع سويّ، ولا يدعو إلا لتشكيل المجتمع تشكيلاً عجيبا ينتج عنه مسوخ لا بشر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى