قراءة في قصة العصا المقدسة لمنال رضوان والمترجمة حديثا إلى الفرنسية
د. أحمد الباسوسي |القاهرة
النص يمثل مأزقا انسانيا وجوديا لشخصية كانت محاطة بسياج قوي من السلطة والنفوذ والهيبة والمكانة لدرجة التوحد مع سلطة السيد الأعظم أو الاله. قبل ان ينهار كل ذلك فجأة بسبب فصله من عمله المهم، ويجد نفسه وحيدا، مهملا، خارج نطاق السلطة والنفوذ والهيبة، فقط بقيت مكانته بفعل وظيفته ورتبته الكبيرة السابقة. انها تلك الأزمة الانسانية التي يقع فيها اولئك الأشخاص البائسون الذين قدر لهم ان لايتجاوزوا حدود ذواتهم ويفقدون تواصلهم مع الآخرين. ان صدمة هذا الرجل أبعد من ان تكون فقده لوظيفته السلطوية المهمة بل يمكن تحديدها قبل هذا الزمان بكثير واستشعاره المزمن بقدر هشاشة شخصيته وفقدانه ثقته في نفسه لدرجة اضطراره ان يلبسها أثوابا من القوة والمكانة غير حقيقية. والآن لم يتبق له بعد الأزمة سوى ميكانزم دفاعي نفسي قوى يسمى بالتبرير يريحه من سهام نظرات واتهامات الآخرين بانفلاته وافراطه في تعذيب الناس في المعتقل الذي كان يترأسه. وازاحة هذه التصرفات الشاذة (المريضة)عن طريق اعلانه عن أهداف سامية تتعلق بانه كان يحمى الوطن من هؤلاء الأعداء حيث يمتلك ادلة صوتية مسجلة على تآمرهم عليه. أيضا لم يتبق لهذا الرجل في عالمه سوى عصاه التي تمثل بالنسبة له الرمز لما تبقى من مكانة وهيبة، تلك التي يعتمد عليها دوما في اختبار هذا الأمر بتعمد اسقاطها أثناء مرور الناس لكي ينحنون أمامه على الأرض (مثل زمان) ليلتقطونها من على الأرض ويضعونها أمامه مستقيمة. يبدو ان بصيرته قد غابت واختلطت الأمور عليه حيث ان الناس يمارسون هذا السلوك مع أي شخص في مرحلته العمرية (تجاوز الثمانون من عمره) وليس بالضرورة ينحنون لالتقاط العصى خشية نفوذة وسلطاته القديمة. الرجل البائس في صراع داخلي لم يستطيع حله حيث لايملك الارادة لفعل ذلك، وربما استطاع الزمن ان يفك المعضلة بنهاية حياة الرجل البائس وتظل العصاة ملقاة على الأرض لم يقترب منها أحد حتى الآن. نص يرسم لوحة انسانية بارعة لفنانة وكاتبة مدهشة امتلكت ناصية الفكرة واللغة ورسمت صورها ببراعة فائقة. وبالطبع النص يستحق الترجمة لعدة لغات وليس اللغة الفرنسية وحدها وتهنئة خاصة لكاتبة النص وأيضا لمترجمته التي استشعرت مدى قيمته وأهميته للقارئ الفرنسي والعالمي.