أدب

رسالة الامام الشافعى بين الواقع والمغالطات التاريخية

هاني فضل | القاهرة 

يرسخ فى ذهن السواد الاعظم من المسلمين صورة لللامام الجليل الشافعى بانه هو الامام الورع الفطن العلامة الصوام القوام الذاهد اعلم اهل زمانه والشاعر و الحكيم الوقور الذى لا يخاف فى الله لومة لائم كان له هيبة ووقار العلماء واولياء الله تلك الصورة مستنبطة من مؤلفاته وكتبه او كتب العلماء عنه او عندما تقرأ لللامام الشافعى او تقرأ عنه تستشعر انك فى حضرة عالم استحق ان يكون من اعظم علماء الدين الاسلامى ومذهبه يدرس فى جميع العالم
الا ان للاسف الشديد عندما تشاهد مسلسل رسالة الامام تستشعر انك امام عمل فنى من تاليف مؤلف اكثر منه سيرة ذاتية او عمل تاريخى فبصمة المؤلف والحبكة الدرامية جاءت على حساب المصداقية التاريخية والدقة فى الاحداث فانحرف المسلسل كثيرا عن السرد الامين للفترة التاريخية التى المفروض انه يسردها واهتم صناع الفن على الاحداث المفتعلة والتشويق والاثارة بعيدا عن الواقع التاريخى
انا لا انتقد العمل كمل فنى لكنه ليس عمل تاريخى ففيه كثيرا من المغالطات والكثير من الاقوال والموقف نسبت لللامام الشافعى على خلاف الثابت تاريخيا
تدخل المؤلف وصناع العمل استغرق الثابت تاريخيا مما طمس هوية العمل ولا نستطيع ان نعتبره عمل تاريخى او فترة زمنية فى حياة عالم من اعظم الائمة فى المذاهب الاسلامية
ومهما كان براعة خالد النبوى كممثل الا ان براعته لم تستطيع ان تقنعنا بانه يجسد الامام الشافعى ولا نبخسك حقك انت جسدت عمل فنى بكل براعة لكنه كان بعيدا عن الامام الشافعى
نبــــــــــــــــــذة عن الامـــــــــــــــــــــــــــــــــــــام فــــــــــــــــــــــــى التاريــــــــــخ
أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ (150-204هـ / 767-820م) هو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، ومؤسس علم أصول الفقه، وهو أيضاً إمام في علم التفسير وعلم الحديث، وقد عمل قاضياً فعُرف بالعدل والذكاء. وإضافةً إلى العلوم الدينية، كان الشافعي فصيحاً شاعراً، ورامياً ماهراً، ورحّالاً مسافراً. أكثرَ العلماءُ من الثناء عليه، حتى قال فيه الإمام أحمد: «كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس»، وقيل: إنه هو إمامُ قريش الذي في حديث منسوب للنبي محمد أنه قال: «عالم قريش يملأ الأرض علماً».
وُلد الشافعيُّ بغزة عام 150 هـ، وانتقلت به أمُّه إلى مكة وعمره سنتان، فحفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، وحفظ الموطأ وهو ابن عشر سنين، ثم أخذ يطلب العلم في مكة حتى أُذن له بالفتيا وهو فتىً دون عشرين سنة. هاجر الشافعي إلى المدينة المنورة طلباً للعلم عند الإمام مالك بن أنس، ثم ارتحل إلى اليمن وعمل فيها، ثم ارتحل إلى بغداد سنة 184 هـ، فطلب العلم فيها عند القاضي محمد بن الحسن الشيباني، وأخذ يدرس المذهب الحنفي، وبذلك اجتمع له فقه الحجاز (المذهب المالكي) وفقه العراق (المذهب الحنفي). عاد الشافعي إلى مكة وأقام فيها تسع سنوات تقريباً، وأخذ يُلقي دروسه في الحرم المكي، ثم سافر إلى بغداد للمرة الثانية، فقدِمها سنة 195 هـ، وقام بتأليف كتاب الرسالة الذي وضع به الأساسَ لعلم أصول الفقه، ثم سافر إلى مصر سنة 199 هـ. وفي مصر، أعاد الشافعي تصنيف كتاب الرسالة الذي كتبه للمرة الأولى في بغداد، كما أخذ ينشر مذهبه الجديد، ويجادل مخالفيه، ويعلِّم طلابَ العلم، حتى توفي في مصر سنة 204 هـ.
قـــــــــــــــــــــــــدومه الى مصــــــــــــــــــــــــــــــــــر
لم يَطِبْ للشافعي المقامُ ببغداد، وكان لا بد من الرحيل منها، ولم يجد مهاجَراً ولا سَعةً إلا في مصر، ذلك أن واليَها عباسيٌ هاشميٌ قرشيٌ، قال ياقوت الحموي: «وكان سبب قدومه إلى مصر أن العباس بن عبد الله بن العباس بن موسى بن عبد الله بن عباس دعاه، وكان العباسُ هذا خليفةً لعبد الله المأمون على مصر». ولقد قال الشافعي عندما أراد السفر إلى مصر:
لقد أصبحتْ نفسي تتوق إلى مصرِ ومن دونها قطعُ المهامةِ والفقرِ
فواللـه ما أدري، الفوزُ والغنى أُساق إليها أم أُساق إلى القبرِ
قدم الشافعي مصر سنة 199 هـ، ومات فيها سنة 204 هـ، وقد رُوي عن الربيع بن سليمان أنه قال: وقال لي يوماً (يقصد الشافعي): «كيف تركت أهل مصر؟»، فقلت: «تركتهم على ضربين: فرقةٌ منهم قد مالت إلى قول مالك، وأخذت به واعتمدت عليه وذبَّت عنه وناضلت عنه، وفرقةٌ قد مالت إلى قول أبي حنيفة، فأخذت به وناضلت عنه»، فقال: «أرجو أن أقدم مصر إن شاء الله، وآتيهم بشيء أشغلهم به عن القولين جميعاً». قال الربيع: «ففعل ذلك والله حين دخل مصر».
ولما قدم الشافعي مصر نزل على أخواله الأزد، قال ياسين بن عبد الواحد: لما قدم علينا الشافعي مصر، أتاه جَدِّي وأنا معه فسأله أن ينزلَ عليه، فأبى وقال: «إني أريد أن أنزل على أخوالي الأزد»، فنزل عليهم. وقد ذكر الإمام أحمد أن الشافعي قصد من نزوله على أخواله متابعةَ السنةِ فيما فعل النبي حين قدم المدينة من النزول على أخواله، فقد نزل النبي حين قدم المدينة على بني النجار، وهم أخوال عبد المطلب.
وقال هارون بن سعد الأيلي: ما رأيت مثل الشافعي، قدم علينا مصر، فقالوا: «قدم رجلٌ من قريش»، فجئناه وهو يصلي، فما رأيت أحسنَ صلاةً منه، ولا أحسنَ وجهاً منه، فلما قضى صلاته تكلم، فما رأيت أحسنَ كلاماً منه، فافتتنَّا به.
اراء العلمــــــــــــــــاء فى الامــــــــــام
وكان مجلسه للعلم جامعاً للنظر في عدد من العلوم، قال الربيع بن سليمان:

محمد بن إدريس الشافعي كان الشافعي رحمَه الله يجلس في حلقته إذا صلى الصبح، فيجيئه أهل القرآن، فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث، فيسألونه تفسيره ومعانيه، فإذا ارتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر، فإذا ارتفع الضحى تفرقوا وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر، فلا يزالون إلى قرب انتصاف النهار. محمد بن إدريس الشافعي
ومما روي عن ذكائه أنه كان ذاتَ مرةٍ جالساً مع الحميدي ومحمد بن حسن يتفرسون الناس، فمر رجل فقال محمد بن الحسن: «يا أبا عبد الله انظر في هذا»، فنظر إليه وأطال، فقال ابن الحسن: «أعياك أمره؟»، قال: «أعياني أمره، لا أدري خياط أو نجار»، قال الحميدي: فقمت إليه فقلت له: «ما صناعة الرجل؟»، قال: «كنت نجاراً وأنا اليوم خياط».

وقد وصف أبو زكريا السلماسي علمه فقال:

محمد بن إدريس الشافعي جمع أشتات الفضائل، ونظم أفراد المناقب، وبلغ في الدين والعلم أعلى المراتب، إن ذُكر التفسيرُ فهو إمامه، أو الفقهُ ففي يديه زمامه، أو الحديثُ فله نقضه وإبرامه، أو الأصولُ فله فيها الفصوص والفصول، أو الأدبُ وما يتعاطاه من العربية العرب فهو مبديه ومعيده، ومعطيه ومفيده، وجهه للصباحة، ويده للسماحة، ورأيه للرجاحة، ولسانه للفصاحة، إمام الأئمة، ومفتي الأمة، والمصباح الزاهر في الظلمة، في التفسير ابن عباس، وفي الحديث ابن عمر، وفي الفقه معاذ، وفي القضاء علي، وفي الفرائض زيد، وفي القراءات أُبَيّ، وفي الشعر حسان، وفي كلامه بين الحق والباطل فرقان. محمد بن إدريس الشافعي
التواضع والكرم

كان الشافعي متواضعاً مع كثرة علمه وتنوعه، ومما يدل على ذلك قوله: «ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطئ، وما في قلبي من علم إلا وددت أنه عند كل أحد ولا ينسب إلي»، وعن الربيع بن سليمان أنه قال: «سمعت الشافعي، ودخلت عليه وهو مريض، فذكر ما وضع من كتبه، فقال: لوددت أن الخلق تعلمه، ولم ينسب إلي منه شيء أبداً»، وعن حرملة بن يحيى أنه قال: سمعت الشافعي يقول: «وددت أن كل علم أعلَمه تعلَمه الناس، أوجر عليه ولا يحمدوني». وقال أحمد بن حنبل: قال لنا الشافعي: «أنتم أعلم بالحديث والرجال مني، فإذا كان الحديث صحيحاً فأعلموني، كوفياً كان أو بصرياً أو شامياً، حتى أذهب إليه إذا كان صحيحاً».
كما كان الشافعي معروفاً بالكرم والسخاء، ومن ذلك ما قاله الربيع بن سليمان: تزوجت، فسألني الشافعي: «كم أصدقتها؟»، فقلت: «ثلاثين ديناراً»، فقال: «كم أعطيتها؟»، قلت: «ستة دنانير»، فصعد داره، وأرسل إلي بصرَّة فيها أربعة وعشرون ديناراً. وقال عمرو بن سواد السرحي: كان الشافعي أسخى الناس على الدينار والدرهم والطعام، فقال لي الشافعي: «أفلستُ في عمري ثلاث إفلاسات، فكنت أبيع قليلي وكثيري، حتى حليّ ابنتي وزوجتي، ولم أرهن قط».

الورع والعبادة
كان الشافعي ورعاً كثير العبادة، فقد كان يختم القرآن في كل ليلة ختمة، فإذا كان شهر رمضان ختم في كل ليلة منها ختمة، وفي كل يوم ختمة، وكان يختم في شهر رمضان ستين ختمة. وعن الربيع بن سليمان المرادي المصري أنه قال: «كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين مرة، كل ذلك في صلاة».
وقال الحسين بن علي الكرابيسي: «بتُّ مع الشافعي ثمانين ليلة، كان يصلي نحو ثلث الليل، لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله لنفسه وللمؤمنين أجمعين، ولا يمر بآية عذاب إلا تعوّذ بالله منها، وسأل النجاة لنفسه ولجميع المسلمين، وكأنما جُمع له الرجاءُ والرهبةُ».
ومما روي عن ورعه ما قاله الحارث بن سريج: «أراد الشافعي الخروج إلى مكة، فأسلم إلى قصّارٍ ثياباً بغداديةً مرتفعةً، فوقع الحريق، فاحترق دكان القصار والثياب، فجاء القصارُ ومعه قومٌ يتحمل بهم على الشافعي في تأخيره ليدفع قيمة الثياب، فقال له الشافعي: قد اختلف أهل العلم في تضمين القصّار، ولم أتبين أن الضمان يجب، فلست أضمنك شيئاً».

ومن أشعار الشافعي في الزهد:
تعصي الإلهَ وأنت تُظهر حُبَّهُ هذا محالٌ في القياسِ بديعُ
لو كان حبُّك صادقاً لأطعتَه إنَّ المحبَّ لمَن يحبُّ مُطيعُ
في كل يوم يبتديك بنعمةٍ منه وأنتَ لشكرِ ذاكَ مضيعُ
وقال الحارث بن سريج: دخلت مع الشافعي على خادم للرشيد، وهو في بيت قد فرش بالديباج، فلما وَضع الشافعيُ رجلَه على العتبة أبصره (أي أبصر الديباج)، فرجع ولم يدخل، فقال له الخادم: «ادخل»، فقال: «لا يحل افتراشُ هذا»، فقام الخادمُ متمشياً، حتى دخل بيتاً قد فرش بالأرمني، فدخل الشافعي، ثم أقبل عليه فقال: «هذا حلال، وذاك حرام، وهذا أحسن من ذاك وأكثر ثمناً منه»، فتبسم الخادم، وسكت.
وعن الربيع بن سليمان أنه قال: قال الشافعي: «ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا شبعةً اطّرحتها (يعني فطرحتها)؛ لأن الشبعَ يثقل البدن، ويقسي القلب، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة». وقال الربيع بن سليمان: «كان الشافعي جزَّأ الليل ثلاثة أجزاء: الأول يكتب، والثاني يصلي، والثالث ينام».
الحث على طلب العلم
كان الشافعيُّ يدعو إلى طلب العلم فيقول: «من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في الفقه نبُل قدره، ومن نظر في اللغة رَقَّ طبعُه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه».
وعن الحميدي أنه قال: «كان الشافعي ربما ألقى علي وعلى ابنه أبي عثمان المسألة، فيقول: «أيكما أصاب فله دينار»»، وعن الربيع بن سليمان أنه قال: سمعت الشافعي يقول: «طلب العلم أفضل من صلاة النافلة».
من مـــــــــــــــــــؤلفات الامام
1. كتاب الرسالة القديمة (كتبه في بغداد)
2. كتاب الرسالة الجديدة (كتبه في مصر)
3. كتاب اختلاف الحديث
4. كتاب جمَّاع العلم
5. كتاب إبطال الاستحسان
6. كتاب أحكام القرآن
7. كتاب بيان فرض الله عز وجل
8. كتاب صفة الأمر والنهي
9. كتاب اختلاف مالك والشافعي
10. كتاب اختلاف العراقيين
11. كتاب الرد على محمد بن الحسن
12. كتاب علي وعبد الله
13. كتاب فضائل قريش

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى