سياسة

إلى متى هذا الخذلان يا كريم خان؟

المحامي إبراهيم شعبان-القدس العربية المحتلة
اقتحمت قوات الأمن الإسرائيلية المحتلة ضمن خطة ممنهجة ومدروسة، ليلة الأربعاء الرابع عشر من شهر رمضان المبارك، بناء المسجد الأقصى المبارك الحجري وليس فنائه، حيث آلاف المؤمنين المعتكفين من المتعبدين المسلمين في تهجدهم وعبادتهم ودعائم في هذا الشهر الفضيل، وعاثوا في المسجد فسادا. فقاموا بضرب الشيوخ والنساء والأطفال وطردوهم خارج حرم الجامع في ليلة اتسمت البرودة، بل اعتدوا على الكثيرين منهم بالعصي والرصاص المعدني والمطاطي وبخاخ الفلفل الحارق على العينين وقنابل الغاز والصوت، ودمروا العيادة الصحية للمسجد، وكسروا الشبابيك المزخرفة، واقتادوا مئات الشباب، وأعطوهم أرقاما – كما كان النازيون يفعلون – بدون وجه حق إلى معسكر اعتقالي كبيرفي قلنديا، حيث مورست ضدهم شتى صنوف واشكال المهانة والضرب والإعتداء والركل بشكل لا يقبل الشك ومثبتة بالأفلام. وقد بثت أفلام ووثائق تؤكد ما ذكر، وان قوات الأمن الإسرائيلية المحتلة كانت تضرب المصلين يمنة ويسرة بدون اي تمييز،وكأنها تمارس نشوة سادية انتقامية عنصرية.
وما لبثت أن انهالت بيانات الإدانة اللفظية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وسئمت وملت سماعها الأذن الفلسطينية، سواء ممن اجتمع في شرم الشيخ أم من آخرين مطبعين أو على وشك التطبيع، في هذا الوقت المتأخر من الليل، لهذا الفعل الدموي العدواني ضد مصلين مسالمين معتكفين. واجتمع مجلس الجامعة العربيةفي اليوم التالي، ويا ليته لم يجتمع، حيث اصدر بيانا ” شديد اللهجة ” محذرا الكيان الإسرائيلي من تجاوز الخطوط الحمراء المتمثلة في المسجد الأقصى المبارك. وانضم لهذا الركب المندد منظمات وفصائل وأحزاب وحكومات ورؤساء وملوك من دول عديدة عربية وإسلامية وغربية وشرقية حيث أصدرت بيانات شجب واستنكار بسرعة ملفتة للنظر، وفصاحة غير معهودة. ولكن كل ذلك بقي قيد البلاغة اللغوية وكلمات طنانة رنانة ولم تترجم كلمة واحدة إلى فعل واحد على الأرض. وبقي الفلسطيني المؤمن المسلم المعتكف هو الوحيد الذي يرسم أفعالا لا أقوالا على أرض فلسطين وثرى الأقصى المبارك.
الكل من عرب وعجم يخشى الرد الإسرائيلي والإتهام بعدم السامية والعقوبات الأمريكية واللوبي الصهيوني في الكونجرس الأمريكي، لذلك الكل ينافق السياسة الإسرائيلية ويهادنها. لكن شخصا واحدا يمثل هيئة دولية مختصة وعليه التزام قانوني بالتحرك في مثل هذه الحالات، لم يسمع له صوت ولم يحرك ساكنا، ألا وهو السيد كريم خان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية البريطاني الجنسية الباكستاني الأصل. فهو صامت صمت القبور، وكأنه لم يسمع ولم ير ولم يقرأ عن هذه الأحداث الدامية الخارقة للحرية الدينية والسلامة الجسدية المرتبة للمسؤولية الجنائية الدولية، بينما تحرك قريبا وبسرعة فائقة، في موضوع أطفال أوكرانيين يتامى. فزار كييف عاصمة أوكرانيا عدة مرات، وفي النهاية وجه اتهاما لفلاديمير بوتين الرئس الروسي وسيدة روسية مسؤولة عن هؤلاء الأطفال اسمها ماريا أليكساندر لوبوفا. المأساة أن السيد كريم خان مؤهل قانونيا ويعلم علم اليقين ودرس في الجامعات بتعمق عن الحق في المساواة ومنع التمييز لأي سبب كان، فلم لم يحرك ساكنا كريم خان تجاه القوات الإسرائيلية المحتلة ولم يوجه اتهاما ضد وزير الشرطة الإسرائيلي ومفوضها وقائد منطقة القدس، الذين اصدروا الأوامر باقتحام المسجد الأقصى وضرب المصلين ومعاملتهم معاملة غير إنسانية وهي أوامر لا تطبق على اليهود المتظاهرين أنفسهم بل ولا تصدر بحقهم مهما كانت الأوضاع.
توجب وظيفة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية القابعة في لاهاي بهولندا وفق المادة الخامسة عشر من اتفاقية روما لعام 1998 حيث نصت الفقرة الأولى منها أن ” للمدعي العام أن يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة “. وإن شك المدعي العام بجدية هذه المعلومات المتلقاة، فله أن يقوم بتحليل جديتها عبر التماس معلومات إضافية من الدول، أو من أجهزة الأمم المتحدة أو المنظمات الحكومية الدولية أو غير الحكومية أو اية مصادر أخرى موثوقة بما يراها ملائمة. بل له أن يتلقى ويسمع شهادات تحريرية أو شفهية عن الأحداث الجارية إن رغب.
سيجيب هذا المدعي العام المنحاز للغرب وصنيعته بأن ما جرى في المسجد الأقصى خارج عن اختصاصه وولاية المحكمة الجنائية الدولية لأن إسرائيل ليست طرفا في ميثاق روما لعام 1998. وأن الجهات الفلسطينية لم تقدم طلبا بهذا الشأن، وحين تقديمه سيدرسه، وكأنه شخص محايد نزيه مستقل. ولم يدر أن ملفه غدا مكشوفا فهو الذي يعيق التحقيق مع الجنود والسياسيين الإسرائيليين المحتلين في جرائم جنائية دولية وفق المادتين السابعة والثامنة من ميثاق روما لعام 1998. فهو بعد أن تركت المدعية العامة السايقة للمحكمة الجنائية الدولية ” فتيمة بن سودا ” منذ عامين، لم يحرك ساكنا في الشكوى الفلسطينية ، وبخاصة بعد أن اصدرت الغرفة التمهيدية في المحكمة قرارا ايدت فيه اختصاصها بما يجري في ألأراضي المحتلة للدولة الفلسطينية. واصبح الباب مفتوحا لإجراء التحقيقات مع المتهمين الإسرائيليين، لكنه آثر التزام الدعة والسكينة والصمت وترك واجبا ملقى على عاتقه وخان الأمانة، عملا بنظام المحكمة . فلماذا التمييز وعدم المساواة يا أيها المدعي العام، وكيف سمح لك ضميرك القانوني بالإخلال بمبدأ المساواة وعدم التمييز، ولماذا لم تقم بما قمت به تجاه بوتين وبولوفا.
ما علم هذا المدعي العام ” المسلم ” أن ميثاق روما حافل بالنصوص والمواد التي تؤكد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وبخاصة في المادتين السابعة والثامنة من ميثاقها، وأنصحه بإعادة قراءة ميثاق روما لعام 1998. ولولا أن أثقل على القارىء الكريم لأوردتها تباعا، فهي لا تحتاج لفطحلٍ محلل حتى يفهمها، فكل مبتدىء بعلم القانون يستطيع فهمها. ويبدو أن هذا المدعي العام يتجاهل أبسط قواعد القانون الدولي الجنائي ويتناسى أن القدس مدينة محتلة، وأن المسجد الأقصى محتل وتنطبق عليه قواعد اتفاقيةلاهاي الرابعة لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949وبروتوكولها لعام 1977 وميثاق روما لعام 1998.
خذلان عربي وفلسطيني وإسلامي ودولي وأممي وقانوني جنائي يسود حينما يقترب الموضوع من الكيان الإسرائيلي، وجيشها ووزرائها وزبانيتها، فلا قانون دولي ولا داخلي نافع، ولا مجلس أمن ولا أمم متحدة، ولا مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية ” فما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك ” ويا ويل ذا الذي لا ظفر له!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى