مقال

صديقة خائنة

خالد رمضان | كاتب من مصر
يقول الشاعر:
ما أكثر الناس لا بل ما أقلهم
الله يعلم أني لم أقل فندا
إني لأفتحُ عيني ثم أغمضها
على كثير ولكن لا أرى أحدا
يروي أحد الشيوخ المعاصرين قصة حدثت في حيّه الذي يعيش فيه فيقول: كانت هناك فتاة في سن المراهقة شغلتها نفسها بالإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي الحديثة، فأخذت كل وقتها حتى تضجرت أمها من تلك الحياة البائسة، فأشارت عليها إحدى زميلاتها في العمل أن تأخذ منها الجوال الحديث الإندرويد، وتأتي لها بجوال بسيط للاطمئنان عليها فقط ، وأشارت عليها أيضا أن تقدم لها في معهد دراسات ذي الفترة المسائية حتى ينشغل كل وقتها.
بالفعل صنعت الأم ما أشارت به زميلتها، وذات يوم ذهبت لذلك المعهد واتصلت على صديقها الحبوب، وأخبرته أنها ستلقاه بعد خروجها.
دخلت المحاضرة فوجدت أن كل الحاضرات في سن المراهقه فرأت الفرصة سانحة لوعظهن، فبدأت تقص عليهن قصة فتاة ريفية بسيطة دخلت الجامعة وهي بيضاء السريرة صافية النية نقية القلب، حتى بدأ أحد الشباب يطاردها وهي تأبى وتبتعد، وهو يلاطفها ويتوددها واصفا نفسه بأن غرضه شريف، وأنه ليس كباقي الشباب، وأنه يريدها زوجة له.
وهنا يتصل الحبيب بحبيبته ولكنها تغلق عليه الجوال، فقد انجذبت بكل جوارحها لقصة المعلمة، ويتصل وتغلق.
تكمل المعلمة قصتها وتقول: استطاع ذلك العقرب أن يقنع الفتاة بسمّه المعسول، حتى اختلق مشكلة وتظاهر أنه عضبان، وكطبيعة النساء المكتظة بالعواطف حاولت إرضاءه، وهو يتسحب حتى وصل سيارته وهي خلفه تراضيه.
تحكي والمحب الولهان يتصل وفتاتنا تغلق في وجهه .
تكمل المعلمة حتى ركب سيارته فركبت معه حتى شقته وقد كان ما كان .
وفي اليوم التالي ذهبت إليه قائلة: بعدما حدث ما حدث لابد أن نعجل بالزواج كما وعدتني، فنظر إليها وقد زال القناع من على وجهه الخبيث وقال: أيُ زواج هذا يا عاهرة ؟!
وهنا فتاتنا تستمع والدموع تنهمر من أعينها بغزارة.
تكمل المعلمة وتقول: ثم قال للبنت الريفية الساذجة: وتعالي معي أريكِ ما يسرك، فأخرج لها الجوال وقد صور اللقاء كاملا.
بالطبع انهارت الفتاة حتى سقطت في مهاوي الرذيلة.
فتاتنا تسمع وتبكي حتى أنهت المعلمة قصتها، وإذا بالفتاة تمسك بالمعلمة وتقول لها: خذيني معكِ لا تتركيني .
وخرجت وهي ممسكة بالمعلمة حتى مسافة بعيدة ثم تركتها، والوغد يتصل عليها وإذا بها تفتح وتنفعل عليه وتقول: أيها الوقح لقد أردتَ أن تأخذني إلى شقتك لتفعل وتفعل أليس كذلك؟!
قال لها: ومن أخبركِ؟!
قالت: المعلمة
قال: وكيف عرفت؟!
والله لقد أعددتُ لك أحدث الكاميرات.
واسمعي مني: إن من طلب ذلك مني هي صديقتك المخلصة فلانة، وقد وعدتني إذا ٱتيتها بالفيديو الخاص بكِ فلتعطيني كذا وكذا.
تأمل هذه المأساة، وكيف تكون الصداقة السامة المغلفة بغطاء الحب والمودة؟
احذر عدوك مرة
واحذر صديقك ألف مرة
فلربما انقلب الصديق
فكان أعلم بالمضرة
إن كلمة الصداقة مشتقة من الصدق، ومنها الصديق والتصديق والصادق والصدوق ، وكلها تدور في فلك واحد، ومنه لُقب أبو بكر بن أبي قحافةَ بالصدّيق لتصديقه لرسول الله في حادثتي الإسراء والمعراج.
أما أن تكون كلمة سائغة في أفواه المتشدقين، والمتفيهقين والعابثين فهذا من العقوق لتلك الكلمة الطاهرة . لقد باءت الصداقة بالخيبة والندامة لما رأته من هؤلاء الماكرين المخادعين، ومن تلهث ألسنتهم، وتنحني جباههم وراء مطامعهم الدنيئة، ورغباتهم المشينة .
يقول المتنبي :
ومن العداوة ما ينالك نفعه
ومن الصداقة ما يضر ويؤلمُ
إن من الحماقة أن تخلص لكل الناس، بل من الحيطة والحذر ألا تضع إصبعك تحت أسنان الٱخرين، أو تسلم رقبتك لمن يذبحها . وتقول الحكمة العربية: رب إخ لك لم تلده إمك .
لأن الصديق الحق أقرب لك من أخيك، فهو معك وقت العسر قبل اليسر، فكما تقول الحكمة: الصديق عند الضيق .
أخاك أخاك إن من لا أخا له
كذاهب إلى الهيجا بغير سلاح
وانظر إلى هذا الجندي الذي نجا من وسط النيران فأراد العودة لإنقاذ صديقه، فقال له القائد: لقد مات الجميع فلا تذهب .
لكن الجندي أصرّ وقال سأذهب لصديقي، وبالفعل ذهب الصديق لصديقه، وبعد عدة دقائق عاد يحمله ميْتا على ظهره.
قال له القائد :
ألم أخبرك أن الجميع قد مات؟
فقال الجندي: لقد وجدته حيًّا وقال لي: لقد كنت على يقين أنك ستأتي
ثم فاضت روحه إلى بارئها سبحانه وتعالى.
هكذا تكون الصداقة، وهكذا يكون الصديق.
وأختم بقول الشافعي:
فلا خير في خلّ يخون خليله
ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشا قد تقادم عهده وظهر سرّا كان بالأمس قد خفا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كالعادة أبدعت فيما قدمت الغالي الأستاذ / خالد رمضان . فما أحوج شبابنا إلى هذه التوعية التربوية في اختيار الأصدقاء .
    عن أبي هريرة – رضى الله عنه – : أن النبي ﷺ قال : { الرجل على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل } . [ رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح ] .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى