تطبيق التعليم الهجين في جامعاتنا، الفوائد والتحديات، (وجهة نظر)

  أ.د. جمال الدهشان | أستاذ أصول التربية عميد كلية التربية جامعة المنوفية الأسبق 

في ظل ما شهده التعليم الجامعي في العام الماضي من إضرابات ومشكلات عديدة ، بسبب فيروس كورونا وفى ظل اتجاه دول كثيرة ومن بينها مصر الى تطبيق سياسة التعايش جائحة كورونا ،  نظر لعدم التوصل وبشكل نهائي لعقار او دواء للتعامل ذلك الفيروس ، فلا حلول تلوح في الأفق القريب تشير الى التغلب او القضاء عليه .

فقد دفعت جائحة كورونا التي ضربت العالم على جميع المستويات “صحيًا واقتصاديًا وتعليميًا”، إلى تغيير معتقدات كان يسير عليها قبل ظهور الفيروس، شملتها النظرة للتعليم في زمن “كوفيد 19”.. حيث فرضت الجائحة واقعا جديدا للتعليم بالاعتماد على نظام “التعليم عن بُعد” خلال فترات تعليق الدراسة الذي كان بمثابة طوق النجاة للطلاب للحفاظ على عامهم الدراسي، حيث كان الاغلاق هو الحل الوحيد والاوحد لمواجهة تلك الجائحة وتلافى اثارها وظل السؤال مفتوحا الى متى ؟ وللإجابة على ذلك برزت الحاجة الى التفكير خارج الصندوق وتقديم حلول خلاقة توازان بين الإجراءات الاحترازية الصحية واستكمال المسيرة التعليمية، وبالنظر الى النظم العالمية بدا العمل نحو الانتقال الى التعليم عن بعد او ما يعرف بالتعليم الإلكتروني هي فكرة جيدة ويبقى ان نجاحها وتحقيقها للأهداف المرجوة منا متوقفا على كيفية التنفيذ. 

لقد وجدت الدول نفسها في ظل ذلك أمام أحد ثلاثة سيناريوهات للتعليم في العام الدراسي المقبل (2020-2021)، هي: التعليم داخل المؤسسات التعليمية وجها لوجه، أو التعليم عن بُعْد، أو «التعليم الهجين» الذي يجمع بين النوعين الأولين، ومن الواضح أن أقرب هذه السيناريوهات للتطبيق حتى الآن، لمواكبة التقدم والتطور والذكاء الاصطناعي، والحفاظ على ما تم إنجازه عن بُعْد ، ولما سيكون له من أثر في تجهيز جيل مهني احترافي قادر على تحصيل العلم في جميع الظروف، وفي الوقت نفسه يحمي طلبتنا من عدوى فيروس «كورونا»، التي لاتزال حاضرة بقوة حتى الآن، إلى أن يصل العالم إلى دواء لعلاج هذا الفيروس، أو تطعيم يقي الإصابة به. فإذا كان التعليم الهجين سيكون متوافراً في الجامعات ،  فإن تطبيقه في المستويات الأدنى يعطي فرصة تطوير التعليم في الجامعات مع مخرجات التعليم الهجين في المدارس، وعليه فإن جيل الإمارات سيكون ذا كفاءة على قدر ما يعهده قادة الإمارات منهم. وأن التعليم الهجين يدعم مبدأ التعليم للجميع، حيث يوفر لكل أفراد المجتمع فرصة للتعلم، ومسار التعليم المستمر الذي يمثل فرصة حقيقية لمن يرغب في مواصلة تعليمه حيث يربط التعليم في المدارس مع سلسلة التعليم في الجامعات المحلية والدولية، إذ يستهدف المواطنين الراغبين في مواكبة المستجدات بسوق العمل بالدراسة والحصول على شهادة مهنية في مجال محدد بعد الثانوية، ما يدعم فرص ترقيهم وظيفياً مستقبلاً.

ومن منطلق ذلك اخذت الجامعات المصرية على عاتقها البدء في تطبيق التعليم عن بعد بشكل جزئى خلال الفصل الدراسة الثاني من عام 2000، الذي فرض على الجامعات بشكل مفاجئ دون استعداد وتهيئة مسبق له او توفيرالامكانات المادية والبشرية والتعليمية له. 

وفى ظل ما قامت به الوزارة من تحليل لتجربة تطبيق الجامعات لنظام التعليم عن بعد، خلال الأشهر الثلاث الماضية  وما اظهرته من مشكلات ، كان من ابرزها الحاجة الى توفير لقاءات مباشرة بين اطراف العملية التعليمية  إضافة كيفية تدريب الجوانب  العملية والتدريبات والأنشطة، توجهت  وزارة التعليم العالي – وبعد دراسات ومناقشات عديدة – الى تبنى نمط جديد من التعليم يجمع بين التعليم التقليدي وجها لوجه والتعليم عن بعد اطلق على هذا النمط التعليم مسميات عديدة كان من اشهرها التعليم الهجين او التعليم المزيج الذى يجمع بين التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد من جهة، والتعليم وجها لوجه في قاعات التدريس من جهة أُخرى.

ويأتي ذلك في إطار استمرار الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة لمواجهة فيروس “كورونا” المستجد، لمنع التكدس والحد من انتشار الفيروسات والميكروبات المعدية، واستثمار وسائل التكنولوجيا الحديثة في تقديم العملية التعليمة إلكترونيا جنبا إلى جنب مع الحضور الفعلي للطلاب بكلياتهم وجها لوجه.

ان كلمة هجين في اللغة تعنى ما ينتج من تزاوج نوعين او سلالاتين او صنفين او نظامين لجنس واحد  كلمه الهجين في اللغة العربية تعنى دمج بين جينات مخلوقين أيا كان نوعهما بما بضمن اكتساب قوه او نقاط ضعف المخلوقين ومزجهم في مخلوق واحد فقط .

وفى ضوء هذا المعنى يعرف التعليم الهجين، على انه نمط أو بيئة تعلم يتم فيها دمج التقنيات الحديثة في العملية التعليمية التقليدية مع الالتزام أو عدم الالتزام بوقت معين أو مكان محدد، وهو يعتبر نمط يجمع كل من التعليم التقليدي من خلال استخدام الفصول الدراسية التقليدية والتعليم عن بعد من خلال التعامل مع التقنيات الحديثة والتفاعل بين المعلم و المتعلم، وهو بهذا المعنى يتصف بالمرونة لتحقيق التزامن من خلال التواصل الفعلي “التعلم في نفس الوقت والمكان” أو التواصل غير المتزامن القائم على مبدأ التعلم في أي وقت ومكان من خلال توظيف وسائل التقنية المساعدة في التعليم مثل أجهزة الحواسب والهواتف الذكية وخدمة الواى  فاى وغيرها من الوسائل التكنولوجية الحديثة .

إن نظام التعليم الهجين، الذي سيطبق في التعليم الجامعي المصري العام الدراسي القادم سوف – كما أشار وزير التعليم العالي والبحث العلمي – يعتمد على مجموعة أسس، وهي:

– دمج نظامي التعلم وجهًا لوجه والتعلم عن بعد.

– تقسيم دفعات الطلبة إلى مجموعات تدريسية صغيرة.

– تناوب الحضور إلى الجامعة، لاكتساب المهارات المطلوبة، على أن يحصل الطالب على الجانب المعرفي، وبعض المهارات من خلال التعلم عن بعد.

– تقليل الكثافة الطلابية، وتحقيق الاستفادة العظمى من خبرة أعضاء هيئة التدريس، والبنية التحتية للجامعات.

فهو برنامج تعلمي رسمي يدمج بين التعلم في صف مع مدرس والتعلم عن طريق الإنترنت. في هذا البرنامج، يتلقى الطالب العلم عن طريق الإنترنت بشكل جزئي وكذلك بداخل الصف مع المدرس. وبهذا الأسلوب يتحكم الطالب بوقت التعلم ومكانه ومساره وسرعة تقدمه بشكل أكبر من البرامج التعلمية التقليدية.

       ويتوقع المسؤولين والخبراء ان يحقق هذا النمط فوائد ومميزات عديدة من بينها – إضافة الى مواجهة تداعيات جائحة كورونا –  تشجيع الاعتماد على توظيف أساليب جديدة  للاستفادة من شبكة الإنترنت والوسائط التكنولوجية المتقدمة المتنوعة ، بجانب اللقاءات وجها لوجه ، سوف يعزز أسلوب التعليم التقليدي من جهة ، بالتعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد الذي يراعي الفروق الفردية في اكتساب المعرفة وتراكمها وفق ظروف الزمان والمكان ومتطلبات الحياة، من خلال الاستفادة من البنية التحتية التكنولوجية للجامعات في العملية التعليمية وتعزيزها ، تعزيز التواصل الشخصي والاجتماعي بين الطلاب وبينهم وبين اساتذتهم وزيادة التفاعل مع المحتوى الدراسة ، واتاحة الفرص العمل في مجموعات وفرق تعاونية(Cooperative Team Work) لدراسة المسائل واستكشاف حلولها • التركيز على التعلم الذاتي بدلاً من التعلم من خلال المحاضرات، أي إعطاء الدور الأساسي للطالب وليس للمعلم.

كما انه يمكن ان يسهم في تقديم محتوى نوعي متميز للمواد التعليمية بالإضافة الى اساليب تقييم ومراجعة وتطوير موضوعية تضمن تحقيق مخرجات المواد والبرامج، استقطاب واعداد خبراء في تصميم البرامج الأكاديمية وإعدادها وتنفيذها وتقييمها وتطويرها بطريقة عصرية. 

كما ان ذلك النمط من التعليم يمكن ان يساعد في نشر ثقافة التقنية والحكومة الالكترونية بين الأجيال الجدية بالشكل الذى يعزز مبادرات الحكومة نحو التحول الرقمي ، ويهيئهم لتنفيذه والتأقلم معه، إضافة الى تعزيز ديمقراطية التعليم وعدالته إذ تستطيع الجامعات والمؤسسات التعليمية في مضاعفة أعداد الطلبة دون الحاجة إلى مَرافِق جديدة وتوفير الخدمات التعليمية والجامعية للعديد من الطلاب ممن تحول ظروفهم دون الحضور للجامعة بصفة مستمرة ،  لأن مرافق الجامعة من قاعات تدريس ومختبرات ومدرجات المخصصة للطلبة الملتحقين بالجامعة الواحدة الآن تستوعب ضعفهم في أسلوب التعليم المدمج الذي يتطلب حضور الطلبة الى قاعات التدريس بما يتراوح بين (٢٥٪) الى (٤٠٪) من الساعات المخصصة للمادة الواحدة، إضافة الى توفير كبير في كلفة التعليم ، مع إمكانية مضاعفة عدد الطلبة الملتحقين بالتعليم العالي في ضوء كون الوقت المخصص للالتحاق بالجزء المتعلق بالدوام وجها لوجه لا يزيد عن 40% من مجموع ساعات المساق. ومن المتوقع ان يؤدي هذا الاسلوب إلى خفض رسوم الساعات المعتمدة.

وفى هذا الإطار يشير د محمد كمال الى ان التوسع في منظومة التعليم الرقمي “عن بعد” في الجامعات، ستسهم في رفع شأن التعليم الجامعي بمختلف المراحل، فضلا عن أنها ستسهم في تخطى الأزمات والعقبات في المستقبل، نظرا لما يحققه من المزايا والفوائد التي تتمثل فيما يلى: 

– يلعب دورا فعالا في نشر الثقافة الإلكترونية والعلمية بين الأفراد، كما يتيح للطالب الاعتماد على العديد من المصادر التعليمية.

– لا يقلل من جودة تحصيل المادة العلمية للطلاب بل يتيح المناقشة مع المحاضر، ويكون أكثر تفاعلية.

ـ يتيح للطالب الاطلاع على مختلف المناهج والمواد العلمية المقاربة لما يدرسه، ويستطيع من خلالها بناء المعرفة والثقافة لديه، وكذلك تكوين أكبر قاعدة من المراجع العلمية والبحثية لديه.

ـ يسهم في تخريج كوادر متميزة تتماشى مع متطلبات سوق العمل وكذلك التماشي مع متطلبات سوق العمل الحديثة القائمة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

ان تطبيق هذا النظام يمكن ان يواجه بعديد من التحديات وعلى الجامعات تضعها في اعتبارها قبل التطبيق ، وخاص مع توفر الوقت الكافي الذى يمكنها من ذلك ، من ابرزها تطوير البنية التحتية التكنولوجية وتوفير خدمة الانترنت وما يستلزم ذلك منو موارد مالية ضخمة ، سرعة تحويل المقررات الدراسية الى مقررات الكترونية واختيار منصات تعليمية مناسبة وتدريب الطلاب أعضاء هيئة التدريس عليه، ووضع التشريعات المناسبة التي تنظم ذلك ، فتطبيق منظومة التعليم الهجين بحاجة إلى تعديل قوانين التعليم أو صدور قرارات وزارية خاصة فيما يتعلق بشرط أن نجاح الطالب يتعلق بحضور للمؤسسة التعليمية بنسبة 75%، مشيرة إلى ضرورة أن يشمل التعديل الحضور بالمؤسسة أو عبر الإنترنت لتكون الشهادات معتمدة ومعترف بها ،  واعتبار تطبيق التعليم الهجين امر ملزم للجميع ،  وليس اختيارا وليس كما تم في العام الماضي من تطبيق التعلم عن بعد ، فلا زالت توجد معارضة من قبل بعض  أعضاء هيئة التدريس واحيانا الطلاب واولياء امورهم لأسباب ومعتقدات خاصة بكل فئة .

وفى النهاية نرى ان توظيف نمط ” التعليم الهجين “في التعليم بصفة عامة والجامعي خاصة بات ضرورة حتمية كأحد النظم التعليمية الحديثة، وهو الاتجاه الأنسب الأن لتوفير بيئة تعليمية تفاعلية تناسب احتياجات المتعلمين في حالات الطوارئ في ظل التوجه العالمي إلى اعتماد الأدوات الرقمية في التعليم العالي في جميع أنحاء العالم.

وفى ظل ذلك أصبحنا اليوم في حاجة الى ما يسمى التربية الالكترونية التربية فهي مفهوم واستراتيجية جديدة للتعلم والتدريس تقوم على توظيف البرامج والتسهيلات والأجهزة التقنية عموماً مثل: الكمبيوتر والانترنت والفاكس وشاشات العرض الإلكتروني والفيزيوفون ومراكز المعلومات التي تستفيد من مبادئ سرعة توصيل رسائل المعلومات ودقة عرضها وقياس إجاباتها المطلوبة كما الأجهزة الإلكترونية المعاصرة. 

المراجع

  1.   أحمد أبوضيف :  بعد اقتراح تطبيق “النظام الهجين” في التعليم الجامعي.. تعرف على مميزاته متاح على https://www.elwatannews.com/news/details/4827866

  2.      شذى النقبي : «التعليم الهجين» أنجح السيناريوهات   متاح على https://www.emaratalyoum.com/local-section/education/2020-06-27-1.1367498
  3.       ماجدة نصر: خطة التعليم الهجين هي المستقبل في مصر، البوابة، عدد السبت 1أغسطس 2020 متاح على   https://www.albawabhnews.com/4099132
  4.   محمد أمين عوّاد  : تحديات كورونا واجراءات التعامل معها: التعليم العالي نموذجاً  متاح على   https://talabanews.net/ar/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%83%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D8%B6%D8%B1%D9%85-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B9%D9%88%D8%A7%D8%AF-
  5.  محمود سعد : “التعليم الهجين” بالجامعات سلاح تخطي الأزمات في “زمن كورونا”.. كيف يكون التطبيق؟ بوابة الاهرام – عدد  24-7-2020  جريدة الاهرام القاهرة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى