المُعَرَّب والدخيل والمُوَلَّد

د. أيمن العوامري | باحث في اللغة والأدب

التفاعل الحضاري والثقافي بين الأمم ظاهرة قديمة لازمت الإنسان منذ ظهور المجتمعات والدول، كلٌّ له لغته التي يفكر بها ويتواصل، وثقافته التي تمثل نمط حياته ومعارفه، وكان من نتائج هذا التفاعل أن ظهرت المصطلحات الثلاثة المذكورة في العنوان؛ فالمعرب هو اللفظ الأجنبي الذي غيره العرب بالنقص أو الزيادة أو القلب أو الإبدال؛ كي يتوافق مع سنن العربية ونظامها الصوتي؛ ومن ثم يمكنني القول بأن التعريب عبارة عن تهذيب المنطق من اللحن، فالمعرب لفظ من وضع غير العرب، ثم استعمله العرب على طريقتهم ومنهاجهم، وبما يوافق نظامهم الصوتي؛ كي يحافظوا على الأوزان والإيقاع العربي، ويصبغوا اللفظة بصبغة وطابع عربيين؛ ومن ثم فالمعرب على قسمين: أحدهما: قسم غيرته العرب وألحقته بكلامها، فحكم أبنيته في اعتبار الأصلي والزائد، والوزن حكم أبنية الأسماء العربية الوضع؛ نحو: (درهم)، و(بهرج)، ثانيهما: قسم غيرته العرب ولم تلحقه بأبنية كلامها، ولا يُعتَبر فيه ما يُعتَبر في القسم الأول؛ نحو: (آجر)، و(إبريسم).

أما الدخيل فهو لفظ أجنبي ألحقه العرب بكلامهم واستعملوه على صورته الأولى في لغته الأصلية دون تغيير؛ نحو: (خراسان)، و(كمبيوتر)، و(تليفزيون)…

أما المولد، فهو ما استعمله العرب بعد عصر الرواية بدلالات لم يعرفها العرب السابقون؛ نحو: (مشروع) وهو كلمة انتقلت من (الجائز) إلى ما يؤسسه المرء؛ كي يدرَّ عليه ربحًا، و(البَسْط) الذي هو ضد (المقام) في الرياضيات، و(الجِبْس) من مواد البناء، و(الرصيد) بمعنى المودع في المصرف أو في الهاتف ونحوه…

أما تعبيرنا عن اللفظ الأجنبي بكلمة عربية؛ كما قالوا عن (التليفون)، و(التليفزيون)، و(الكمبيوتر): (الهاتف)، و(المرناة)، و(الحاسوب) على اللف والنشر المرتب، فهذا النوع يُعرَف بالترجمة….

ورأيي في هذه الأنواع أن المعرب دليل على مقدرة اللغة وقوتها في التعامل مع كل حادث أو جديد، ودليل حياتها ومرونتها واستيعابها…

أما الترجمة، فلا حاجة لنا بها؛ فلن يُكتَب لها الذيوع والانتشار، وأثبتت التجربة أن الذائقة العربية لا تقبلها؛ فلا يستعمل نحو الهاتف والحاسوب إلا شرذمة قليلون، وعند الكتابة والتحرير فقط، أما المرناة فلا يعرفه أحد إلا اللغويون، وعلى الرغم من ذلك، فهو مصطلح قاصر؛ إذ اعتنى بجانب الصورة، وأغفل الجانب الصوتي في التليفزيون، ولعل من نافلة القول أن أذكر أن ترجمة السينما تعني دار الخِيالة؛ وهو مصطلح مات أو كاد… وعلاوة على ذلك فإن اللفظة ابنة شرعية للغة التي وضعتها والحضارة التي أفرزتها، وعندما يستطيع العرب أن يخترعوا منجزات ومخترعات، فلهم حينئذ أن يطلقوا عليها ما يشاؤون من ألفاظ، وسيعبر العالم كله بلغاته المختلفة عن تلك المخترعات باللفظ العربي…

أما المولد، فهو نوع من التطور الدلالي، ولنا أن نقبله إن ظهرت لنا العلاقة بين المعنيين القديم والحديث، ويبقى السياق -كبرى القرائن النحوية- فيصلًا وفارقًا بين المعاني المختلفة…

وأما الدخيل فأهلًا به ومرحبًا تستوعبه العربية كما استوعبت غيره، لا سيما أن الحضارة العالمية قد أظلنا زمانها، وزالت الحدود والفوارق الثقافية، وصار العالم حقًّا قرية صغيرة؛ من مخترعات واتصالات وأنماط حياة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى