في مشهد الخراب

يونس العموري | القدس – فلسطين

لم يبدأ مشهد الخراب والتخريب، في هذه المرحلة فقط، بل قبل ذلك بكثير، والدلائل كثيرة وشاهدة منذ بدايات فعل التخريب المقصود والمُتعمد الذي أدى الى هذا التيه والضياع وغياب الفعل حيث انهيار وتشظي الحركة الوطنية التي باتت ملفوظة من جماهيرها وشعبها والكل بمأزق ويبحث عن الخلاص. ووسط هذا المشهد الهزلي، بل العبثي، من الطبيعي ان يظهر الدجال في محاولة لإقناع المقهورين بأنه (النبي المخلص) والقادم على صهوة البرنامج الوطني التحرري، والباحث عن البرامج يجد خلف كل برنامج (دجال يدعي النبوة)، وممنوع من الصرف والنحو، ومن الممنوع أن تجاهر بالرأي الصريح في محالة التفنيد والقول الفصيح في زمن الروبيضات والصراخ الأجوف غير المقنع والمتلفظ بأبجديات التيه من يستمع اليه ومن يحاول ان يقول الحقيقة فقوله عفى وشرب عليه الزمن ويتهم بخشبية اللغة والخطاب .. وتقوم الدنيا ولا تقعد حينما يمر الرأي الصريح أو الموقف الواضح لهذا أو ذاك في معرض تعليقه ورؤيته لمسار الوقائع الفلسطينية اليوم، وتُستل السيوف من أغمادها في محاولة منها لأن تصنع البطولات في زمن تقزيم الذات وعنجهية أمراء الممالك، جنرالات الحروب الجديدة على أوهام سلطة الضياع.

مناسبة ما نقول وما سنقول هو حجم هذا التيه وخربشة معانينا… واختلاط مفاهيمنا التي صارت عديمة اللون والرائحة والمستعصية على الفهم والإفهام…. حيث لابد من أن نفهم ماهية وقائعنا اليوم، وهل نحن في كنف الدولة مواطنين لنا حقوق وعلينا الواجبات؟ وهل من الحق لنا أن نمارس الشيء اليسير وما يتيسر من الصراخ بحضرة الأمير المتربع على عرش الحزب او الفصيل او الملتقى او ذاك التيار؟ أم ما زلنا نخضع لسيطرة أبو جهل، والكلام لا يستوي وطرف العيش المنسوب لملوك الكلام… وكأن الكلام والقول وفعل الكتابة وبالتالي صناعة الموقف ومجابهة سلبياتهم وخطاياهم لابد ان يستوي وسادة التشريفات، وكلهم يملكون من ارباب التشريفات والتسحيج الكثير الكثير .

فقد تبدلت كل القيم… وتغيرت المعاني… ولابد من مواجهة تحدي هذه المتغيرات وتلك العقيدة التي صارت ورقية هشة بوجه الريح… كانوا مقاتلين في ساحات الوغى حينما عرفوا وعلموا ان للقتال معنى ومضمونا… كانوا مدافعين عن كرامة بنادقهم بوجه التنين… كانوا الأشد بأسا فبوصلتهم باتجاهاتها الصحيحة…. كانت إجاباتهم صريحة واضحة ولا تشوبها شائبة حينما تمترسوا بخنادق الليل في مهمة حراسة القمر في سماء الوطن، ولتبقى نار العجوز متأججة بخيمة الصمود على تلة من تلال زيتون الأولين…. كنا لا نختلف عليهم وعلى فعلهم، كنا نحرسهم بكلامنا ووعينا… فقد كانوا فدائيي فلسطين… واليوم صاروا اللاهثين خلف الأمير … وصاروا رجال الأمن والتشريفات والعسس على رفاق الأمس … والعجوز أحرقت الخيمة ونارها ما عادت متوقدة بليلها… وعذارى الوطن غادرن وانسحبن من المشهد… فبكل لحظة من الممكن عبور المدجج بتاريخ يهوذا للمكان… وذاك الجميل المسمى مناضلا مدافعا مكافحا اضحى رجل آخر ببزته الجديدة ينتظر الأوامر… ويكون أن يأتي الأمر بالانسحاب.

وهو السؤال الذي صار مشروعا وربما يثير من حوله الكثير من الجدل والسجال… فبعد عبور فلسطين لحربها الأهلية تصير كل المحرمات مشكوكا في حرمتها ويصير الباطل جزءا من مشهديه الواقع، وربما تختلط مفاهيم الحق ومعانيه.

يا أرباب النعم ويا من تحاولون ان تنصبوا أنفسكم ملوك القوائم والأحزاب والفصائل من أنتم؟ وأمراء على من؟ ومن منحكم البيعة؟ ويا من تدعون أنكم باسم الجماهير متحدثون؟ من اعطاكم الحق بالمتاجرة بقوت فقراء اللحظة؟

هي الأسئلة التي ظلت عالقة منذ ولادة سلطة أوسلو على الأرض الفلسطينية ومنذ أن فقدنا الحس بالأشياء ولفهم دقائق الأمور وخباياها، وبعد أن صار لمراكز القوى الكثير من التفسيرات للنشاط السياسي وللفعل الدبلوماسي وضرورات المرحلة ومتطلبات الوقائع الجديدة… وتداعيات الفهم الجديد لمقاولي العمل السياسي … أولسنا في طور تأسيس الدولة في كينونة العالم الثالث ومفاهيمه؟ وتلك الأنماط التي تحكمه وبالتالي لابد من إنشاء ونشوء مهن المقاولة والفهلوة واللعب والعسكر ليكونوا جزءا من مشهد الدولة العتيدة القادمة؟ ولأننا نحيا في كنف المنطقة فلابد من تحديد هوية هؤلاء ولمن يتبعون … وكيف من المفروض تدريبهم وتأهيلهم ومن يكون آمرهم وحاكمهم والمسيطر على عدد شهقاتهم وزفيرهم.. بل لابد من تحديد أجندات ولاءاتهم وممن يتشكلون ومن أي الأرياف يكونون وبأي الأسماء يهتفون… الذين سيمنحونهم ألقابهم من جديد…

من انتم أيها السادة؟ للفلاني ابن الفلاني أبو الفلاني؟ لهذا التيار أو ذاك النهج؟ أو ممن يتبعون لفعل السفارات؟ أو لمن صار يؤمن بأن الطرق إلى الجنة لابد أن تمر من خلال تقديم الولاء والطاعة لأولي الأمر منا؟ وأي الأوامر لابد من تنفيذها… تلك التي تستوي وتتوافق وسيادة القانون؟ الذي صار مستباحا بفعل إرادة الزعماء الجدد على الأرض؟ أم لأوامر الأشباح الذين يعبرون المكان والزمان عبورا خفيفا.

رجالات من هؤلاء؟ أهم للوطن وإذا كانوا هكذا فلماذا لا ينعكس في محياهم صورة الوطن؟ ولماذا لا يدافعون عن الوطن؟ ولماذا الوطن صار مباحا مستباحا لكل أشكال خفافيش الليل دون أن ننسى فزاعته الأساسية المتمثلة بيهوذا الكامن في المكان وبكل الأزمنة الممكنة وتلك التي تتسلل عند أول الليل أو عند انبثاق الفجر… لا فرق بالمواقيت لفعل التخريب والقتل والتدمير من جنود الموت المتربصين للحلم من أن يتخقق..

للمنتشرين الآن في شوارعنا والذين يؤمنون أنهم خير من يمثلنا ما هي عقيدتهم؟ ومن أجل أي الأهداف تسابقوا على بازار الترشح ليكونوا ممثلي الشعب …؟؟ وممن يأخذون أوامرهم؟ وما هي وجهتهم؟ وكيف يفهمون ويتفهمون الدور المنوط بهم؟ أسئلة بانتظار الإجابات منهم .. واشك أن نتلقى هكذا إجابات …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى