وَاخْجَلاتْاهُ مِنْ “أَرْدُوغَان”

الأب يوسف جزراوي شاعر وأديب عراقي | نايميخن| هولندا

 

الشَّمْسُ فِي الْأَنَاضُولِ مَحْجُوبَةٌ

 بِفِعْلِ غَيْمٍ غَزِيرٍ 

يُرعِدُ وَلَا يُمْطِرُ

لِأَنَّهَا “أيَا صُوفِيَا” مَرَّةً أُخْرَى

تَبْكِي مِدْرَارًا  الأَيَّامَ الخَوَاليَ

فأبكتْ مَعَهَا الصَّلِيبَ وَالْهِلَالَ

وكَأنّهَا بِفَمِ مَدامِعِها

قَبّلَتْ جَبِينَ زُوَّارِها!

***

 

“أيَا صُوفِيَا” بِقُدسِيَّتُهَا وَتَارِيخِهَا

مُنْذُ عَهْدِ الْفَاتحِ الْعُثْمَانِيِّ

والحُزْنُ يَتَّكِئ ويُنْكَأُ فِي قَلبِها

فَكَمْ مِنْ مَرَّةٍ وَمَرَّةٍ

بَكَتْ عَلَيْهَا السَّمَاءُ والْأَرْضُ

وَكَمْ مِنْ مَرَّةٍ وَكَمْ

بَكَتْ مُحْتَضَرَةً لِوَحْدِها

مَذْابِحَ  القُدَّاسِ الْمَهْجُورَةَ

وذَابِحُهَا لَمْ يَرِفَّ لَهُ جَفْنٌ!

وَكَمْ مِنْ مَرَّةٍ  تَغَيَّرَتْ مَلاَمِحُهَا

وَكَانَ آخِرُهَا بِاسْمِ الْقَانُونِ!

لَكِنَّ قِبَابَ بُيُوتِ اللهِ

 أبَتْ واستَنكَرَتْ فصَرّحَتْ 

وصَرخَتْ وأَعْلَتِ الصَّرْخَةَ:

وَاخْجَلاتَاهُ مِنْ “أَرْدُوغَانَ” وَاخْجَلاتَاهُ

أهَذي فِعلَةٌ قَدْ فَعَلتَها؟!.

***

 

“أيَا صُوفْيَا” رُمَّانَةُ الْمِيزَانِ

مَا عَادَتْ  كَنِيسَةً أوْ مُتْحَفًا

إِيمَانِيًّا مُشْتَرَكًا لِبَنِي الْإِنْسَانِ

فَقَدْ أَطْفَأَ المُدَّعِي “أَرْدُوغَان” 

الشَّمْعَ وَكَسَّرَ مَوْضِعَ الشَّمعَدَانِ

وأَزَاحَ الصَّلِيبَ وأَحْرَقَ المبخَرَةَ

لِأَنَّهُ لَيْسَ سِوَى جَهَنَّمَ مُتَنَكِّرَةٍ!

فيَا “أَرْدُوغَانُ” يَا حَفِيْدَ آلِ عُثمانَ

الَّذِينَ  سَالَتْ مَنْ أَيْدِيَهُمْ 

دِمَاءُ الأرمَنِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَقْوَامِ

يَا قَاتَلَ الْإِنْسانِ فِي الْعِرَاقِ

وَكَابُوسَ الْمَوْتِ بِسُورِيَا وَلِيبْيَا وَسَيْنَا

يَا مُدَّعِي الْإِيمَانِ واللهُ مِنْكَ بَرَاءٌ

 ألَيْسَ أنْتَ مَنْ أَصْدَرَ تَصْرِيحًا

لِدَوْرِ الْبِغَاءِ و نوَادِيَ الْشَّواذِّ؟!

أَوَلَسْتَ أنْتَ أيْضًا

يَا دَميمُ الخِلْقَةِ وَالْأَخْلَاقِ

مَنْ زَهَا كَالْمَعْتُوهِ بالدَوَاعِشِ

فِي حَضْرَةِ حَرِيمِ السُّلْطَانِ؟!

فيَا فَاهًا يَسِيلُ قَيْحًا وَدَمًا

يَا جَزَّارَ الشُّعُوبِ بِسْاطُورِ الْكَرَاهِيَةِ

ويَا مُدَّعِيَ التَّدَيُّنِ مُصَابًا بِالْاِزْدِوَاجِيَّةِ 

كَفَاكَ تَبَجُّحًا بِصَفَاقَةِ وَجْهٍ

 وكَفاكَ تَزِنُ أَفْعَالَكَ وَأَقْوَالَكَ بِمِيزَانِ اللهِ

وكَفَاكَ تَتحجَّجُ بِالْوَثِيقَةِ كَذِبًا

وَلاَ تَقُلْ: اِبْتَاعَها لِغَرَضِ الصَّلَاةِ

وفِيمَ الصَّلَاةُ ؟!

وَأَنْتَ تتوضَّأُ بِدُمُوعِ الْأَبْرِيَاءِ!

 فَبِأَيِّ حَقٍّ وبِأَيِّ شَرْعٍ

اِسْتَوْليّتَ عَلَى بِيعَةٍ مُقدَّسةٍ

“يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا”؟!!( سُورَةُ الْحَجِّ آية 40).

“آجيَا صُوفِيَا” كَانَت وَلَمْ تَزَلْ

دَمْعَةً عَلَى خَدِّالسَّمَاءِ

سَالَتْ مِنْ عَيْنِ بَاكِيهَا

فَقَدْ نَدَّى الدَّمْعُ مَرَّةً أُخْرَى

 جُفُونَ عَيْنَيْهَا حَتَّى تَرَقْرَقَ

وتَدَحْرَجَ كَالسَّلْسَبِيلِ مِنْ مُقْلَتَيْهَا

فغَطَّتْ وَجْهَهَا  برَاحَتَيْها

لِتُخْفِيَ دَمْعَةَ شَكْوى صَامِتَةٍ

فَرُبَّ شَكْوَى نَاطِقَةٍ عِنْدَ رَبِّهَا

فَلاَ تَبْكِي يَا “آجيَا” وهوِّنْي عَلَيْكِ

فمَا عَادَ البُكَاءُ يَنْفعُ

فالشُّرَفَاءُ  فِي دُنيا النَّاسِ

حَبَسوا الْأَنْفَاسَ شَهْقَةَ اِستِنْكارٍ

وأخفَوا الدَّمْعَ فِي الْقَلْبِ نُوَاحًا

وقَالُوا: كَلاَّ ولَا لِفَعْلَةِ السُّلْطَانِ

ثُمَّ أضافُوا:

لَا بَاركَ اللَّهُ بِأَرْدُوغَانَ

***

أَعْلَمُ يَا جَميلَةَ الْجَمِيلَاتِ

أَنَّكِ مِثْلُ نَخْلَةٍ أَتَاهَا نَعيُهَا

لَحْظَةَ تَغَرَّبْت عَنْ بُسْتَانِها

وأَعْلَمُ أَيْضًا أَنَّ لِجُدْرَانِكِ 

حُزْنًا عَتِيقًا غَالَ الدّهْرُ فِيهِ

وَهُوَ يَخُطُّ تَارِيخَ صَبرِكِ الطَّوِيلِ

فمِنَ “الفاتحِ بْنِ مُراد”

 إلى “أَرْدُوغَانَ” الجزَّارِ

وكِلاهُمَا كَانا لفَضْلِ النَّخْلَةِ نَاكِرين

أَكَلَا الْجمَّارَ وَرَمَيا السَّعْفَ بِالنَّارِ!

وَلَكِنْ صَبْرًا جَمِيلاً يَا جَميلَةُ

فَثَمَّةَ مفْرجةٌ لَمْ يَحِنْ مَوعِدُها 

فبَعَدَ الصَلّبِ هُنَاكَ قِيَامَةٌ.

***

” أَرْدُوغَانُ”  يَا “أَرْدُوغَانُ” 

يَا وَجْهًا دَميمًا لَا يَسَتطِيبهُ النَّظَرُ

ملأهُ الْخُبْثُ بالنُّدَبِ وَالْحَفَرِ

فحَتَّى متَى أنْتَ بِالشَّرِّ  وَلِعٌ؟

 وعَلامَ كَلُّ هَذَا القَيْحِ؟!

 حَقِيقَةً لَسْتُ أَدْرِي 

مَاذَا أَقُولُ وأَكْتُبُ؟

وَمَاذَا عَسَايَ أَنْ أكَتَمَ؟

إِنَّمَا مَا أدَرْيه أَنِّي سَمِعْتُ

في أَعْمَاقيّ صَوْتًا يُجَلْجِلُ:

” …عَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا”.( مَتّى: آية ١٦ إصحاح ١٨).

فيَا تُحْفَةَ الزَّمانِ كَفَاكِ حِدَادًا

فإنَّ قَوْلَ السَّيِّدُ الْمَسيحُ فِعْلٌ

ولَسَوْفَ يَأْتِي يَوْمٌ  لَيْسَ بِبَعِيدٍ

يُمْسَحُ الدَّمْعُ مِنْ الْعَيْنِ

ويَقرَعُ فِيهِ”بِلَالُ” نَاقُوسَ قُدَّاسٍ

لِيَرُنِّمَ مَزْمُوُرًا مَعَ “النَّجَاشِيِّ” و”قُسْطَنْطِينَ

وَيُوقِدَ للعَذْرَاءِ السُّلْطَانةِ “مَريَمَ” شُمُوعًا وَبَخُورًا…

  فلَا ذَنْبَ لِلْعِنَبِ بمَا فْعَلُهُ النَّبِيذُ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى