طوفان الأقصى.. التداعيات الإقليمية والدولية واحتمالات انهيار الكيان الصهيوني
ندوة تقيمها لجنة التنمية الثقافية المستدامة باتحاد كتاب مصر
مجدي بكري | القاهرة
تحت رعاية الدكتور علاء عبد الهادي رئيس النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر والأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، عقدت لجنة التنمية الثقافية المستدامة برئاسة د. جمال زهران ندوتها الشهريةيوم الأربعاء ١٧ يناير ٢٠٢٤ تحت عنوان :”طوفان الأقصى.. التداعيات الإقليمية والدولية واحتمالات انهيار الكيان الصهيوني”، استضافت اللجنة أ. د هبة جمال الدين أستاذ العلوم السياسية بمعهد التخطيط القومي، وأدار اللقاء أ. د. جمال زهران الذي بدأ حديثه موضحًا أنه لأول مرة في تاريخ المواجهات بين الكيان الصهيوني وفصائل المقاومة يتفجر حديث عن قرب انهيار الكيان الصهيوني، وذكر أنه عندما تحدث عن ذلك من قبل اتهمه البعض بالرومانسية، وأكد في كلمته أن كل فصائل المقاومة قد استفادوا من حرب أكتوبر ٧٣ ونظرية المفاجأة الاستراتيجية التي حدثت وقتها، حيث اعتمد الرئيس السادات على خطة تمويه كبيرة، فمن يوم ” ١حتى ٦ أكتوبر ٧٣” كانت الأخبار تدور حول سفر وزراء وقادة من القوات المسلحة، مما يوحي بوجود حالة من الاسترخاء؛ فكانت المفاجأة للكيان المغتصب، وفي ٧ أكتوبر ٢٠٢٣م حرصت المقاومة الفلسطينية على استخدام عنصر المفاجأة، وكان فجر السبت، وقد أعدت حماس نفسها منذ ثلاث سنوات لتلك اللحظة، وشرح وحلل د. جمال زهران أحاديث رجال المقاومة وخص بالذكر حديث إسماعيل هنية زعيم حماس، الذي ذكر في بداية العمليات أنهم مستمرون في العملية حتى تحرير بيت المقدس، وذكر أن هذا الكلام لا يصدر إلا إذا كان مرتبًا للعمليات من قبل.
وقد عقب د. زهران على هذا الكلام بعدة مقالات ذاكرًا فيها أن هذه معركة مستمرة، وأن الكلام بدأ يتردد عن فكرة انهيار الكيان الصهيوني حتى من داخلهم، وقد ذكر رئيس استخبارات سابق في الكيان الصهيوني بأنهم دخلوا حرب خاسرة غير محسوبة، وأضاف أن الهدف من زرع الكيان الصهيوني في المنطقة كان من أجل تفتيت فرصة الوحدة العربية؛ لأن الكيان الصهيوني وما يستخدمه من أدوات الفتنة يعمل على إحداث هذا التفتيت، إضافة إلى وجود المشروع الإبراهيمي الذي يسعى لتنفيذ نفس الهدف وللأسف تسانده دولة عربية مثل الإمارات وهو ما يدعو للدهشة، وأكد في ختام كلمته أن المنطقة العربية لها مخزونها الحضاري ودورها البارز وثوابتها، وكل ذلك لم يكن موجودا في أوروبا أو أمريكا، لذلك سعوا لزرع الكيان الصهيوني كخنجر دائم في ظهر المنطقة العربية.
وبدأت د. هبة جمال الدين حديثها مشيرة إلى أهمية قراءة ما يصدر عن مراكز الفكر الأمريكية والإسرائيلية لأي باحث في شأن الصراع العربي الإسرائيلي، وذكرت أن مراكز الفكر الأمريكية في ٢٠٢٠م قد أخرجت دراسات تتحدث فيها عن موت الشرق الأوسط، وإعادة ترسيم الحدود السياسية، وانهيار الدولة القومية، وأن سيكس بيكو الجديد بدأ يخرج خرائط تقسيم جديدة فيها الدول العربية وإفريقيا، تعتمد على التقسيم العرقي وفرض الأمر الواقع واستحضار التاريخ مرة أخرى، وأن الدول الإبراهيمية لم تسلم من هذا التقسيم ، ومن بينها تقسيم مصر ل ٩ دويلات – لا قدر الله-، وأشارت إلى تقاطع الجانب الأمريكي مع إسرائيل، وتحدثت عن المشروع والمخطط الإبراهيمي وعن الدبلوماسية الروحية؛ وشرحت ماهية المشروع الإبراهيمي وما يستهدفه من وضع رؤية جديدة لنظام عالمي جديد، وكانت بداية معرفتها بهذا المشروع في أحد مؤتمرات الدراسات المستقبلية في مكتبة الإسكندرية، فبدأت في متابعة الأمر والتعرف على مظاهر وأهداف هذا المشروع الذي يعد مدخلا لترتيب إقليمي جديد، يعد الشعوب والدول القومية كي ترى فيه الأسرة الإبراهيمية؛ وهو بمثابة قشرة شكلها حلو ولكنها تحمل في داخلها مشكلات كثيرة جدًا، فالمسيحية لم تعترف بالإسلام واعترفت باليهودية في حين اعترف الإسلام بالديانتين؛ فجاء المشترك الإبراهيمي ليس إسلامي ولا مسيحي بل يحمل في ظاهره المشترك الإنساني.
كما تحدثت عما يسمى دبلوماسية المسار الثاني، شارحة أن تأويل النص الديني مصيبة؛ لذلك حرصوا على أن يشككوا الشعوب الأصلية التي لها تاريخ في الدين وثوابته وتتوجه الأنظار لدين جديد، وذكرت أن الشعوب الأصلية تعرف بالحمض النووي والتاريخ والوثائق والآثار؛ لذلك يعملون على محاربة ما يثبت أصالة هذه الشعوب، وذكرت مقولة ل” فوكاياما ” – مؤلف أمريكي شهير – تحدث عن نهاية التاريخ في ٢٠١٠م قال :” نهاية التاريخ سيحدث عن طريق صهر الأديان” .
كما تحدثت عن المفهوم الجديد للإقليمية، والذي ينقسم إلى كونفيدرالية مثل الجامعة العربية، وإلى فيدرالي مثل النموذج الأمريكي، وتحدثت أيضًا عن مصطلح الولايات المتحدة الإبراهيمية المزمع وجودها في ٢٠٣٠م؛ وهي عبارة عن تجمع كل الدول المنهارة تحت رئاسة إسرائيل وتركيا بعد ذلك تكون الرئاسة لإسرائيل وحدها متفردة، وتحدثت عن مشروعات الربط الإقليمي التي يتم من خلالها التحكم مركزيًا في الموارد؛ ولكي يحدث ذلك لابد من التخلص من فلسطين، وقد حاولت إسرائيل منذ عدة سنوات تغيير الهُوية الفلسطينية ولكنها فشلت، وهناك مخطط وسيناريو مرسوم من قبل الكيان الصهيوني حيث عقد معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل قبل الأحداث الأخيرة بشهر ندوة قيم فيها وضع أوسلو، وقال :” ماتت أوسلو” مما يعني وجود سلطة فلسطينية رمزية وتعاون أمني جيد، ووصفت الحكومة الإسرائيلية الحالية بأنها الأكثر تطرفًا ومع ذلك وصموا المقاومة بالإرهاب، وفي قراءتها للمشهد الراهن ذكرت أن الكيان الصهيوني يتعمد قتل الأطفال والنساء لإبادتهم؛ من أجل التجهيز لنظام عالمي جديد.
واستفاضت د. هبة جمال الدين في شرح مشروع الممر الاقتصادي ” مشروع بايدن” موضحة أنه سيمر بغزة، وهناك تخطيط أمريكي لوجود قاعدة أمريكية في غزة وأخرى في اليمن، كما أوضحت أن الجغرافيا السياسية تؤكد وجود ٨ مضايق جغرافية في العالم أساسية ومهمة، وأمريكا تود التحكم فيها، وأضافت أن الممر الاقتصادي له علاقة بالترتيب الجديد، وأن ما يحدث في أهل غزة يهدف إلى تهجيرهم القسري.
وعن رؤيتها لما يحدث على الأرض قالت:” هيعرضوا على الفلسطينيين إقامة دولة؛ ولكنها ستكون عبارة عن ساحات ومحليات متقطعة، ومن يديرها القبائل والعشائر من أجل الوصول للحكم الفيدرالي، وسيكون صعب فيها التحرك من منطقة لأخرى إلا بتصريح رسمي من حكومة الكيان الصهيوني، وستكون السلطة في يد إسرائيل، ولن تكون دولة فلسطين مرسمة الحدود، كما توقعت حدوث مشكلات في الدول العربية؛ لأن المشروع الإبراهيمي قائم على التفتيت، وما سيحدث سيكون تكاملا إقليميًا وليس تعاونًا، كما تحدثت عن سوء أوضاع الاقتصاد الإسرائيلي، ذاكرة أن إسرائيل اقتصادها ينزف؛ لأن تكلفة الحرب حتى الآن ٢٠٠ مليار دولارا وأن أمريكا منحتها معونة قيمتها ١٤ مليار دولار، وسوف تساهم دول إتفاقات الديانة الإبراهيمة في الدعم، أي حملة إبتزاز جديدة لبعض الدول العربية، وطرحت تساؤلًا مهمًا يبحث عن وجود الدور الصيني والروسي فيما يحدث في المنطقة، موضحة أن حجم التعاملات بين إسرائيل والصين يفوق حجم تعاملاتنا مع الصين، كما أن إسرائيل تقدم نفسها كشريك وليس نقطة عبور لما تمتلكه من تكنولوجيا متطورة، وما يحدث من ترتيب أمريكي جديد لا يتعارض مع ترتيب الصين، وذكرت أن روسيا موجودة في ليبيا ومصر ودول عربية كثيرة، وأن القاعدة الأمريكية في غزة ستكون ردًا على قاعدة طرطوس، وأضافت أن أمريكا أخطأت في اختيارها للعراق وتحاول التصحيح الآن بتحكمها في البحر المتوسط، وطرحت سؤالا آخر حول مستقبل إسرائيل بعد طوفان الأقصى، مجيبة عليه بأن هناك سيناريو لتقود إسرائيل الاتحاد الفيدرالي، والسيناريو الثاني سيناريو “البجعة السوداء ” الحلول غير المتوقعة، وأشارت إلى أن حرب ٧ أكتوبر خلقت الوعي لدى أطفال العالم العربي تجاه القضية الفلسطينية، كما أنها ستضع كل من طبع أمام نفسه، حيث أنه وضع يده في يد نازي العصر، وستضع إسرائيل وكل من يحمل جواز سفر إسرائيلي في وضع حرج أمام العالم كله بعد كل ما فعلوه من خراب ودمار وسفك لدماء الأبرياء.
وفتح باب المداخلات للسادة الحضور، مما زاد من سخونة المناقشات، كما عقب د. جمال زهران تعقيبا يوحي بقدر كبير من التفاؤل والثقة في المقاومة وبعض البلدان العربية مثل اليمن، كما تحدث عن الدور العظيم لدولة جنوب إفريقيا، وأشاد إشادة كبيرة بدور فصائل المقاومة الفلسطينية الصامدة.