قراءة في رواية: حقيبة من غمام

الرواية للكاتب د. محمد عبدالسلام كريّم، النّاشر دار الأقصى للدراسات والنشر، دمشق - سورية 2023.

بقلم: هدى عثمان أبوغوش

     جاء العنوان”حقيبة من غمام” ليرمز إلى فحوى الرّواية؛ فالحقيبة هي رمز السّفر والرّحيل،والغمام جمع غمامة أي السّحاب، والغم في الّلغة، هو ستر الشيء،ومنه الغمام لكونه ساترا لضوء الشّمس، والغمام مرادفة ذكرت عدّة مرّات في القرآن الكريم؛ فالغمام يستر الشّمس، ويستر السّماء، أي أنّ الغمام رمز لمصيبة كبرى، يمكن القول أنّ العنوان، هورحيل يصحبه كوارث وأهوال، وفي الرّواية هو رحيل الفلسطيني والسّوري من النزاعات المسلحة، ومواجهته الأهوال في السفينة.
“حقيبة من غمام” هي رواية واقعية، بضمير المتكلّم،حيث يصور لنا الأديب محمد كريّم في روايته الأولى، على لسان بطلة الرّواية الرّاوية، حالة الفلسطيني والسّوري في مخيم اليرموك في ظلّ الصراع بين معارضي النظام السّوري وبين مؤيديه ومن بينهم الفلسطينيون؛ وهروب الرّاوية الشّابة حديثة الزواج مع زوجها وبعض العائلات إلى الحدود التركية عبر المهربين.
    نحن أمام أديب متمكن،يصقل حروف العذاب والقهر، يضعها فوق الأوراق؛لنحظى بروايته التي تحمل حقائب الوجع، ينتصر الأديب للأماكن وتنقل المكان وعدم استقراره،ففي البداية يصف مخيم اليرموك،ثم ينتقل إلى البحر وسفينة الخوف، ثم اسطنبول، وفي النهاية إيطاليا.
  أبدع الأديب في تصوير حالة القلق والذعر وحالة العائلات التي تشتت بين داخل المخيّم، وخارجه، والتوترللشخصيات،من خلال إبراز ملامح الشّخصيات القلقة والصراع النفسي الذي ينتابها فوصف الجسد المنهك الذي يهتز من القلق،والأسنان التي تصطك وترتجف من الخوف.”لقد أثار قلقها الرّعب فيّ خاصة وهي تلطم وجهها وتفرك يديهابعضهما ببعض”
وقد صور حالة القلق كثيرا في عدّة مواضع،في التدخين الكثيف الذي شبهه كالقلق في رحلة السّفينة،وأيضا من خلال التّساؤلات البركانية عند الشخصيات”أما النساء الكثيرات فقد كانت غمائم التّساؤلات تعتلي رؤوسهنّ والخوف والقلق من المجهول الذي يتخطى ولا ندري في أيّ ساعة قد يظهر”.
“تتصارع في رأسك الأفكار المتناقضة”.
“كانت الأفكار حادّة ومتناقضة بعيدة وقريبة ممكنة ومستحيلة”.
     وكذلك من خلال الحوار المشحون بالحالة النفسية المتعبة، والحوار الداخلي (المونولوج). “لم يعد هناك من أكسجين في الغرفة” “أي رحلة هذه ؟” “لم يعد هناك من إمكانية للإقامة في الأسفل وعلينا تحملّ بعضنا البعض “وقد كان الإسهاب في الوصف الدقيق هو المدخل لتقريب الصورة الواقعية للقارىء،حيث وصف الصراخ في السّفينة،وصف ملابسهم المبللة جرّاءثقب السّفينة، وصف خداع المهربين وكذبهم، وصف شحّ الماء في السّفينة، وصف آلام بعض العائلات في السّفينة،وصف الزّمن يمشي بشكل بطيء ومرعب مرفقا بساعات الانتظار الموجعة “مرّت الدقائق باردة ومظلمة”،صوّر ظروف التّهريب القاسية،وأثر الحرب في سورية على الحالة الإقتصادية والإجتماعية، صوّر بإبداع متقن وواقعي المخاطر التي تعرض لها النازحون،من أجل عبور الحدود التركيا،فالأديب أدخل القارىء لحالة تشويق وترقب وخوف، جعلنا فعلا نرى المشاهد أمام أعيننا، وجعلنا نستوقف أمام الاسترجاع الفني وذكريات الماضي وحنينه،هي رواية تطلق صرخة في وجه الحروب والنّزاعات التي تمطرنا بالفراق والفقد والوجع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى