غزة.. فقط
أجدور عبد اللطيف | المغرب
لزم الكثير من المشاهير والمؤثرين الصمت خلال الفجيعة الإنسانية الأخيرة بغزة، وتعرضوا تبعا لذلك لسيل عارم من التخوين والنقد والسب والشتم، ما دفع بمن يُسمع لهم في الغرب والشرق مثل محمد صلاح، إلى الظهور بشكل غير مريح وعلى مضض أمس، لتمرير خطاب رمادي يتحدث فيه عن نبذ العنف وتغليب الحس الإنساني، ويمكن لكلامه أن يُفهم لصالح طرفي النزاع، كما دفع الهجوم الافتراضي من الجماهير بالكثير من المعروفين إلى التغريد بسرعة وحذف تلك التدوينات بشكل أسرع.
يمكننا اليوم بعد زهاء ثلاثين أو أربعين سنة من الأنترنت، إدراك التغييرات في قواعد اللعبة سياسيا، فقد استغلت إسرائيل هجمة حماس (تبقى غامضة الدوافع والصيغة والتوقيت حتى الآن) وحولتها لجريمة ضد الانسانية باستخدام الذكاء الاصطناعي وآخر تقنيات المونتاج كالتي يتم بها إخراج أفلاهم. كما استخدمت مواقع التواصل الاجتماعي لتجفيف منابع الثورات، والابداع في امتصاص غضب القطعان البشرية، المحكومة دوما بنوازع الجماعة، وعدم القدرة على أخذ مسافة من التفاصيل، وملء الفراغات المبهمة. فالفرد اليوم يُشبعه أن يسمع شهيرا لديه “تأثير” إعلامي “يدين” المجزرة، ويكفيه بلاغ سياسي عباراته لا تفصح عن موقف، واجتماع ينتهي قبل أن يبدأ لأن مخرجاته لا يمكن بحال أن تكون غير إدانة وشجب. الإنسان اليوم يرضيه أن يغير صورة البروفايل إلى علم فلسطين، وأن ينقل وينشر فيديوهات عاطفية معدة بشكل جميل، لتستدر شيئا من تعاطف في داخل نفس بلدها الغسل المتواصل لعقود، ليعود لحياة يومية اعتيادية جدا، يلعب ويرفل ويضاجع ويشاهد نتفلكس ومباريات الكرة، ويقتني الماركات، ويفعل ما لم يكن تالله ليفعله، لو كان صادقا في حزنه وغضبته وغصته.
يتهاوى العالم الذي نعيش فيه يوما بعد يوم، ولم يعد الغربيون يأبهون كثيرا لصورة الحقوق والحريات التي صدعوا بها رأس العالم، لأن توقيف لاعبين وسياسيين وطرد مجنسين، لمجرد تعاطفهم بشكل افتراضي، يشي بأنهم مروا لمستوى آخر في التعامل مع الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية والإيديولوجيات الأصولية (يقصدون الإسلام طبعا)، مستوى مباشر وسريع الوتيرة، وواضح الأهداف والدوافع. زمن يُراد له أن يدين بعبادة الشيطان وتقليل النوع البشري، وإشباع ما تمليه أنفسهم المريضة من لواط واغتصاب أطفال وشرب لدماء الإنسان بعد تقديمهم قرابين للشيطان، في انتكاس إلى عادات همجية غابرة، كانت شائدة في وثنيات وبدائيات سحيقة.
إن الخوف من اتهام القانون بالتحريض على العنف، يجعل الناس تكتفي برفع شارة نصر افتراضية في الفيسبوك، في الوقت الذي يموت فيه أطفال فلسطينيون ميتة بعوضة في مستنقع بئيس، لكن يبدو أن الإحجام عن تضامن سخيف مستفز ، والصمت المطبق أشرف من منشور أو صورة أو مقالة كهذه. بل ومن مظاهرة يُشيّعها مراهقون جاؤوا لمعاكسة الفتيات، أو لدرء الفراغ والسأم في حال أحسن، وقد لخص مقطع للمثل المصري محمد رمضان القضية، عندما خرج بعد استقباله مئات الرسائل التي تطالبه بأن يتحدث عما يحدث، بشريط غاضب مفاده أن الاخر الذي نكتب إليه بالإنجليزية ليعلم، هو نفسه من يدعم ويشرف على هذه الإبادة.
وأن من يجب أن تتوجه إليهم الجماهير والشعوب، هي الأنظمة العربية لتحريك جيوشها وهذا خيار من اثنين، وإلا فالصمت أولى وهذا الخيار الوحيد الممكن