فكر

الأوهام الدينية.. بين هيكل سليمان ومسجد قرطبة

لكنها تدور يا ملوك الطوائف

بقلم: د. خالد سالم
أستاذ الأدب واللغة الإسبانية والترجمة في أكاديمية الفنون
لئن مَثّل الوهم تناقضًا للحقيقة فإنه في شقه الديني يُعد ظاهرة ذهنية نفسية، لاأساس واقعيًا لها. والتمادي فيه السعي إلى تحقيقه يؤدي إلى حالة مرضية فيصبح متلازمة، تنقلب بدورها إلى هوس، ما يجعل المصاب لا يشعر بجرائر أفعاله المنافية للأعراف والواقع والشرائع الوضعية والسماوية.
وهذا يتجلى في هوس اليهود بالبحث عن هيكل سليمان، والبحث عن ماضٍ أليم لهم ولشعوب المنطقة منذ عهد الملك الكلداني نبوخذ نصر وقبله الملك الأشوري شلمنصر الثالث. وكلاهما أذلا اليهود بعد اعتداءاتهم المتكررة على مملكتيهما في بلاد الرافدين.
حالة الهوس الذهني والديني لدى اليهود عالجها فرويد اليهودي سواء تجاه مصر القديمة أو العراق أو شبه جزيرة أيبيريا، أي إسبانيا والبرتغال اليوم. فهذا الهوس جعلهم يدعون أنهم بناة حضارة مصر القديمة وأنهم أصحاب حضارة في الأندلس تناطح ما شيده العرب والمسلمون ومعهم المسيحيون من تراث أندلسي.
وعبر أبواقهم القوية أقنعوا شريحة فاعلة من الإسبان بأنهم كانوا شركاء في صناعة ماضي بلادهم، الأندلس، وهو الإيهام الذي جعلهم يحصلون على حق اكتساب الجنسية الإسبانية واعتذار ملك إسبانيا على طردهم من الأندلس بعد خمسة قرون ووجود مؤسسات تساوي في مشروعاتها بين الثقافات الثلاثة.
هذا الوهم، الهوس، جعلهم يدعون حقًا للبحث عن هيكل سليمان في القدس ولو أدى ذلك إلى هدم المسجد الأقصى. ورغم علمانية كثيرين منهم إلا أن هوسهم بحقوق وهمية في بلدان المنطقة أترعت روحهم الجمعية بالحقد على شعوبها، روح تتلبسها أوهام العظمة والتفرد بين شعوب العالم، ليدعوا أنهم شعب الله المختار رغم غضب الله عليهم منذ نبيهم موسى مرورًا بتسليمهم للمسيح ليصلب واعتدائهم على الرسول ودسهم السم له في الطعام.
نبش اليهود في الماضي والسعي لاسترداد حقوق ليست لهم أصبحت متلازمة جعلتهم يرتكبون محارق حقيقية ضد الشعب الفلسطيني الذي استضافهم على أرضه في كل مرة طُردوا فيها من بلدان أوروبية.
وهيكل سليمان يمثل لهم هوسًا يضاهي هوس بعض المسلمين في استرداد قصر الحمراء بما يرمز إليه، أي الأندلس. ويتناسون أن هناك شعبًا يعيش في فلسطين وله في القدس معالم دينية، إسلامية ومسيحية، يستحيل ازالتها في طريق سعيهم إلى وهم العثور على هيكل سليمان.
في طريق هوسهم سفكوا دماء مئات الآلاف في فلسطين ودول الطوق العربية منذ المؤتمر الصهيوني الأول، في بازل سنة 1897، الذي روج له الصهيوني تيودور هيرتزل بغية استعمار فلسطين وإقامة وطن لليهود فيها.
ومن يومها لم يهنأ الفلسطينيون بحياة هادئة على أرضهم بسبب هوس اليهود بوطن في فلسطين الذي أصبح متلازمة يعاقبون شعوب المنطقة بها في سبيل تحقيق هدفهم. وكم من بلد عربي هددوه باسترداد حقوق وهمية لهم فيه!
ليس غريبًا علينا ادعاء كثيرين من المهوسين بين المسلمين في الحلم باسترداد قصر الحمراء، آخر مقر حكم للعرب في الأندلس، والتالي التربع على عرش حكم الأندلس الجديدة.
والمدهش أنهم يتحدثون بقناعة عن تحقيق هذا الحلم، الهوس، وكأن شبه جزيرة أيبيريا دون شعب ودولتين مهمتين في سياقهما الأوروبي.
الأندلس مرحلة انتهت ودخلت تاريخ البشرية، ولا يمكن أن تطأها أقدام المهووسين عبر أضغاث الأحلام، وعليهم أن يكتفوا بزيارة سياحية كي يعوا الدرس ويحافظوا على هو موجود من العالم العربي ويكفوا عن التضرع إلى السماء كي تحقق لهم هوسهم.
ما يقترفونه في غزة منذ طوفان الأقصى كافٍ لإقصائهم عن المنطقة العربية في أمد منظور. التدمير الذي أحدثوه في القطاع ستكون له ردة فعل عن أجيال عربية من الشباب يدمي روحها ما يشهدونه.
الدماء التي أسالوها بين أنقاض غزة تذكرنا بالدماء التي سالت في معركة الزلاقة في الأندلس، وقد تؤدي إلى نتائج مماثلة رغم التباين بين كفتي الصراع.
موقف اليمين الأوروبي المساند لليهود في سطوهم على فلسطين وسحق شعبها ومعه شعوب المنطقة، تنفيذًا لهوسهم باسترداد هيكل سليمان من شأنه أن يفتح أبواب مطالبة بعض العرب والمسلمين باسترداد ما كان لهم في بعض البلدان الأوروبية.
ما رأي الحزب الشعبي ومعه جروه “بوكس” لو طالب المسلمون بمسجد قرطبة على أساس أنه كان لهم وأن قرطبة كانت عاصمة الخلافة في الأندلس؟ الأمر يحتاج إلى تفكير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى