بين قصيدة النثر والنصّ النثري…

أحمد رافع-العراق

الترميز اللغوي الذي ينبغي أن يتواجد في قصيدة النثر كما للنقلاتِ التصويرية التي من الممكن توافرها ،
هما يضربان وضوح النص النثري وما يتكئ عليه من سهولةِ مزج اللغة على حسابِ المعنى الهادئ ،
وليس للكثافةِ اللغوية التي تنطلقُ أساساً من خيالٍ شعري أي وجود في النص النثري.

إنّ النصّ النثري يخرجُ من كونهِ شعراً ،
لأن مرتكز البناء الذي يسيرُ عليه هو بناء اعتيادي غير مصاحب ببناءِ التكثيف وبراهين التصعيد اللغوي،
كما لأساسِ الموضوع في النص وعدم ارتكازه على الأبعاد التصويريّة التي تحملُ فلسفة الدهشة دليلاً على إنّ الخروجَ من حبكِ قصيدة النثر جاء من طبيعة أُذن الكاتب التي لم تكن مسبقاً تتموسقُ شِعرياً على حسابِ الأوزان!.

قد تنساق اللغة الموضوعة في النص النثري إلى الخيوطِ السردية،
هذه الخيوط لم ينتبه لها واضع النص لأنه يعي أن قصيدةَ النثر حرة ،
وهذه الحرية تتضارب مع الإيجاز دون الإسهاب في الفكرة
والتوصل إلى أكثر من نقلةٍ شِعريّةٍ
دون أن تكون ملامح سرديّة تطغو على القصيدة وتغطي معظم التراكيب ،
لستُ بصدد أن أقول أنها تمتلك قواعد جاهزة كالأنواع الثابتة “للسونيت ” ولكنها تخضع إلى قوانين وجوبا اتباعها
استخلصت من المحاولات النقدية العديدة وشكلت الشروط الحيوية لوجودها كما وضعتها سوزان برنار سابقا في رسالتها.

كما إن لجسد القصيدة النثرية الذي يجعله أن يرقص بالإيقاع الداخلي هو وجود الدهشة في انسياقها المضمر وقد تكون في عُمق بسيط دون أن ترتطم بقاعِ الخيال الذي يحافظ على هيكل القصيدة ولا يهدم بناءه ،
عادةً ما يصيب القارئ بالغرابة طارحاً أسئلتهُ ليفكك بوابةُ القصيدة الشعرية.

إنّ التراكيبَ الموضوعة في النص النثري هي تقترب إلى بساطة المعنى وليس إلى التراكيب اللغوية والتصويرية الشعرية البحتة.
التي تحاول أن تقول عن ذاتها : إنها تتموضع بين السرد والشعر!
وهذا ينفي وجودها أن تكون شِعرا وتحمل قصيدة النثر لأنها تؤدي إلى السقوط بالخاطرة وهذا ما يبعد الثقل الشعري عنها.
في حين تجد القصيدة مشحونة بقوة ، بواسطة التراكيب البلاغية ويسير عبرها تيار شِعري.
ولغة الاختلاف رصيدها الأول، وعلاقتها مع المتخيل، ككائن مسيطر على مساحة القصيدة الفعلي.

في النهاية يجب أن تبقى قصيدة النثر وتحافظ على هيكلها ،
فليس كل جمل ذات المعاني البسيطة حيث موسيقية التقطيع تترك أثرا نفسيا للمتلقي تسمى قصيدة النثر ،
لأن مواضيعها تختلف تماماً عما تريده القصيدة أن تصل إليه ،
فلا يمكن قبول انتزاع الكائن الحي الذي يحرك القصيدة
والعناصر التي تسلب النتاج كثافته الجوهرية والمناطق التي تعدم شكليتها من الناحية الشعرية ،
هي غير مقبولة في القصيدة ولا تندرج ضمن المهام الإنجازية ،
إذ إن القصيدة تمتاز بالاشتغال التركيبي والإيقاعي
لذا فأن تقنياتها من إيقاع ولغة وصورة ..الخ هي من مهامها الأساسية الموصوفة بها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى