عندما أمسكت ببنطلونه

شيرين زين الدين | شاعرة وناقدة – القاهرة

عندما أمسكت ببنطلونه هكذا قررت أن أُسمّي مقالي هذا بعدما أسميته “آلام عصبية” ربما يكون اسم المقال محفزا على قراءته فبعدما وصلنا إلى القرن الحادي والعشرين ..نحن مازلنا نهتم بما تحت البنطلون أكثر من الإنسان الذي يلبس البنطلون .. و الدليل على ذاك أني عندما وضعت يدي بقرب المنطقة الحساسة لدى الطبيب الكهل وجدت دوائي فالجميع لا ينطق بالحق أو يكتبه إلا إذا تألم .. كان عليّ أن أؤلمه نفسيا ليشعر بمرضي ويكتب لي دواء أصبح يصعب وجوده الآن .. فقط لأنه مريح .. و بسبب بعض التافهين الذين أفرطوا في استخدامه حتى أصبح على قائمة الأدوية الممنوعة و قيل إنه قابل للإدمان ، على الرغم من أن العديد من جيراننا العقلاء والكبار بالعمر كانوا يتناولونه بجرعته الطبيعية ولم يبدُ عليهم أي أعراض إدمان هم فقط تأذوا بسبب انقطاع الدواء ..لم يعد لدي جميع المواطنين إلا الأحلام
*وأنا من حقي كمواطنة أن أحلم ما أجمل الأحلام ،ولا أحتاج أن يُذكرني أحدكم أني لن أحقق أحلامي ،أعلم أني لن أحققها في مجتمعكم ، ذلك المجتمع الذي بات الإنسان يحتاج فيه إلى تناول حبوب قوية مقاومة للألم العصبي ،تجعله ينفصل عن العالم و تتفاعل معه ، لكن المشكلة أن جميعها يحتاج إلى ‘روشتة’ ،وأنا إذا رآني أي طبيب بهذه الحالة دون أن يتعب نفسه ويمسك سمّاعة سيكتب لي ذلك الدواء ،” دواء الألم العصبي” . أصبحت أبحث عن الطبيب الذي كتبه لي لكنه قد مات ، بعدما دعوت عليه واستجابت دعوتي وكانت أسرع دعوة تستجاب. هو الوحيد الذي فهم حالتي في عالم الطب لأن كلانا وضع يده في لحظة واحدة على المنطقة التي تؤلم الآخر
*تأذّت أعصابي.. بالطبع ليس حزناً على الطبيب فأنا التي دعوت عليه أصلاً ..كنت حزينة على الدواء الذي لم يعد موجود . *ليتني كنت دعوت أن يركزوا على مشكلة من المشاكل الرئيسية في الحياة مثل مشكلة القانون الجديد .
*غالبية أصحاب الشقق يرفضون إمضاء عقد إيجار قانون جديد أكثر من سنة ، و هذا أسلوب غير إنساني ،ولأني أعرف أن حلمي مستحيل ، و لن يؤجر لي أحدهم شقة لمدة خمس سنوات، ذهبت للطبيب ،لا لم أذهب إليه ليعطيني شقة ،ذهبت له بعدما تدهورت صحتي أكثر و أصبحت اللقمة لها رأي في مجتمعنا و راحت ترفض المرور من حلقي .
(لن تستطيعي ابتلاع أي شيء إلا بهذا الدواء و ستبتلعين كل شيء بالماء حتى الماء ستبلعينه بالماء) ،قالها من جانب أذني ورائحته كلها بصل ، ذاك الطبيب قالها لي و كأنه يغيظني بعدما أمسكت ببنطلونه عندما كان يجري لي منظاراً على المريء ، ليتأكد أن مشكلتي ليست عضوية ، أمسكت ببنطلونه فقط ولم أضع يدي على شيء مهم في الحياة ، بعدما أدخل المنظار في حلقي بكل عصبية ، عديم الشعور هو الذي يحتاج لمهدىء ،انزعج مني و هو الذي جرحني ولم يعتذر و كتب لي دواء لم يعد موجوداً ، و بدائله لم تعجبني .
* أبدو هادئة لكن عصبيتي تنحشر داخلي وتسبح في كبتي النفسي حتى تدغدغني ، والعااااالم لا يهمه أمري وكأني شَفّافة ، بل نحن ، نحن العصبيون اللذين تتكاثر أعدادنا إثر أحلامنا التي تموت أمام عيوننا يوما بعد يوم ،لا نُهِم العالم في شيء .
*الخمور لا تحتاج لروشته ، جربتها لم تهدىء أعصابي وطعمها مقرف ومحرمة وغالية ، وأنا بصراحة تعبت .. أريد أن أدخل الجنة من أوسع أبوابها ، لست مستعدة أن أتعذب في الآخرة أيضا .
*دخلي الشهري لابد أن يكفيني ، بعدما أصبحت زاهدة تماما و أأكل كي أعيش ،كل ما يؤلمني هو الكوابيس ، وأحلامي التي تتلوّى أمامي ، وكأني أضع أم جدتي التي ماتت من قرن على جهاز التنفس الصناعي و أنتظرها أن تحيا من جديد ، أقولها وأنا أنظر إلى تلك العمارة ، تلك العمارة التي يمتلكها رجل واحد بكرش يمتد و يَستطيل ، وبينما أنظر إلى ذاك الكرش المعبأ باحتياجات أكثر من أسرة ، تدق الساعة الثانية عشر فأذهب و أنام، لأقابل الأحلام .
*أنام بمفردي ، أنا امرأة وحيدة و سأظل ، أنا لا أريد أن يشاركني أحد مرتبتي ، كما أنّي لا أطمح في تعذيب أحد معي، رغم أن أغلب من أعرفهم من القوم الظالمين الضالين الذين يستحقون الحياة معي ، كي ينتفضوا كل ليلة ويفزعوا على صوت استغاثاتي من كابوسي المزعج ، و صاحب الشقة يخترق غرفتي ويولع النور كي أراه بوضوح ، وهو يحملني بمرتبتي و لحافي ويضعني في كيس أسود كبير كأنني زبالة.. لالالالا إنه ليس كيس إنه شوال يبدو أن الغبي الفارغ فَصّلَه ليلمّني فيه .
أقول له : اِنتظِر.. أنا لست مستعدة للعزال ، العزال مكلف و ونفسيتي تحت الصفر من ضغوط العمل ومفاجآته ، لست مستعدة أن أبحث عن شقة تكون أرضيتها سيراميك ، كي أمسحها كل يوم بالماء والملح لأطردك وأطرد الشياطين.
“قلت لكِ أحتاج الشقة منذ شهرين لأزوج ابني فيها ” قالها لي بلهجة عنيفة فتهيأ لي وكأنه حماتي رحمها الله كانت شديدة وبلا قلب لذلك تركها الغبي ابنها وتزوجني ليجدني بلاقلب أكثر منها ومن ثم طَلّقتَهُ بعد حب عنيف.
*أعود لصاحب الشقة و أقول له : “لكن العروسة لن تطير لو بتحبه هتستنّاه و تستنّاني”
ينتهي الحلم على صرخة تلعلع في أركان الشقة الفارغة إلا من التلاجة والبوتوجاز فقد كَسَر كوعي الغبي بعدما رماني خارج البيت .
*رتبت كل مكبوتاتي بعدما تأكدت أن ليس لها مكان في تلك الشقة ووضعتها في صندوقي الأسود الذي تحدثت عنه “فردوس عبد الرحمن “في كتابها” أنا العزيز” وكانت تود أن نتخلص منه أو نرميه.. لا .. ليس الكتاب بل الصندوق
لكني في الحقيقة لم أستطع التخلص منه هو ممتلىء عن آخره الآن وإلى الأبد .
* فالرجل صاحب العمارة مستمر في زيارتي في أحلامي كل يوم ، لا يجعلني أنام بسلام ولا يتركني أحلم أحلاما عاطفية ، دائماً يأتي و يَفْصِلني ، و يقف في طريقي و كأنه مِحرِم ، أخذه الله .. أقولها وأنا على عتبة الحلم و أستكمل جملتي و أبدأ هلاوسي وأنا ..مستغرقة بالحلم
” أخذه الله و حبذا لو لم يكن له ورثة و جَنَّ بحبي دون أن يلمسني وكتب لي الشقة ، كنت أحلم أنه اصطحبني إلى الشهر العقاري وبرفقتنا محامٍ ليسجل الشقة باسمي ، وبعدما يكون قد بصم ووقع على كل الأوراق المطلوبة يكون قد مات .. أفرح وأمسك الشوال لألِمَّهُ فيه و أجَهّزهُ ليدفن بعيداً يوم العيد ، لكن ابن الكئيبة يعكر صفو الحلم ،و يصحو من جديد ،و يخرج من الشوال و يلمَّني فيه أنا و مرتبتي ، يستولي على حاجاتي و يأخذ المفتاح ويرميني بالخارج والثلاجة بها قطعة زبدة لور باك اشتريتها من نِفسي ،
أُنادي عليه ‘: اِنتظر .. قالب الزبدة.. الزبدة اللور باك .. فلا يرد ، يأخذني إلى الصندوق الأسود المستقر في منتصف الطريق و يغلقه عليّ بإحكام ، كي لا أستطيع الخروج ، الصندوق الذي كنت أذهب إليه كل يوم أنا و جيراني العصبيين لنضع مكبوتاتنا ، الصندوق الذي يرمون فيه أكياس الزبالة.

“شيرين زين الدين”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى