الثّقافة والتّمويل

جميل السلحوت | فلسطين المحتلة

         لسنا هنا في مجال الحديث عن أهميّة الثّقافة ودورها في بناء المجتمعات والنّهوض بها، فالمثقّف في بلاد العربان متّهم حتى يثبت ولاؤه للنّظام، ويحارب حتّى في لقمة عيشه، ولسنا هنا في مجال الحديث أيضا عن كثيرين من المبدعين والعلماء العرب الذين لم يجدوا متّسعا لهم للعيش في بلدانهم، ولجأوا إلى العيش في بلاد الغرب “الامبرياليّ الكافر”! حيث وجدوا هناك الحرّيّة للتّعبير عن أفكارهم، كما وجدوا العيش الكريم أيضا، لذا فإنّ العلم والثّقافة هو آخر ما يتمّ الانتباه له عند العربان، ولا غرابة حسب إحصائيّات منظّمة الأمم المتّحدة للعلوم والثّقافة “اليونسكو” أنّ ما يترجم إلى اللغة الاسبانيّة في العام الواحد يعادل ما ترجم إلى العربيّة من عهد الخليفة العبّاسيّ المأمون “786م-833م” حتى أيّامنا هذه، أي في أكثر من ألف ومائة وخمسين عاما، وأن ما تنفقه إسرائيل على البحث العلميّ في العام الواحد يعادل ما تنفقه دول العربان مجتمعة في عدّة سنوات.

       وإذا ما عدنا إلى التّمويل الثّقافي، ولا نقصد هنا تمويل المثقّفين والمبدعين- مع أنّ من حقّهم أن تتوفّر لهم ولأسرهم حياة لائقة وكريمة- فإنّ ما يخصّص للشّأن الثّقافيّ من ميزانية دول العربان لا يكاد يذكر، وقد يصل إلى نسبة واحد في الألف كما هو في فلسطين مثلا، والاستثناء هنا هو في دولة الإمارات العربية التي تخصّص ميزانيّات لائقة لرعاية الابداع الثّقافيّ.

        ومع الشّح في ما يخصّص للتّمويل الثّقافيّ في بلادنا، ولا أقصد هنا وزارة الثّقافة، لأنّ ما يخصّص لها لا يكاد يفي برواتب موظّفيها وأجور مقرّاتها، وإنّما المؤسّسات الثّقافيّة الشّعبيّة وشبه الرّسميّة، وهذه تنطبق عليها مقولة “قالوا عند الغولة حفلة عرس، فردّوا عليهم: يا ريت يكفيها ويكفي أولادها” فهذه المؤسّسات تحصل على تبرّعات من مؤسّسات ودول شقيقة، وبعضها يجد تمويلا أجنبيّا، ومن تبرّعات بعض الميسورين، مع أنّ بعضها لا يقوم بأيّ نشاط ثقافيّ يذكر، ولا فضل لها سوى تعليق لافتة على واجهة مقرّها تفيد بأنّها مؤسّسة ثقافيّة، لأنّ المؤسّسة مجيّرة للقائم أو القائمين عليها، وغالبا ما تأخذ الطّابع العائليّ، وإذا ما أقيم فيها نشاط ثقافيّ من ناشطين ثقافيّا، فإمّا أن يطلبوا منهم دفع أجرة لاستعمال المقرّ، أو في أحسن الأحوال فإنّهم يبخلون عليهم بالضّيافة ولو كانت ماء الشّرب أو فنجان قهوة، هذا إذا لم يرفضوا النّشاط الثّقافيّ بالمطلق، لأنّهم يخافون الثّقافة لبعدهم عنها، وقد يعتبرونها “بعبعا” يضرّ بهم لجهلهم بها. وإذا ما طُلب منهم دعم نشاط ثقافيّ، كأن يوفروا الضّيافة والمواصلات للمدعوّين القادمين من مدن بعيدة، فإنّهم يضعون شروطا تعجيزيّة على طالبها، يستحيل عليه تنفيذها. ويبرّرون ذلك يا للعجب! “بالشفافيّة في الانفاق الماليّ” مع أنّ الصّحيح هو أنّهم لا يريدون الصّرف، أمّا أين تذهب الأموال المخصّصة للنّشاطات الثّقافيّة فذلك علمه عند علّام الغيوب وعندهم، والأسئلة حول ذلك ممنوعة، أو لا إجابات مقنعة عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى