هكذا أحببتك
إبراهيم محمد الهمداني | اليمن
إليك يا من آثرتني بالسعادة، واحتفظت لنفسك بتفاصيل مأساتي…
في زمن غاب عنه الصدق، وعز فيه وجود الصديق، في زمن كانت فيه الغربة والوحشة والضياع، هي كل أيقوناته، وأهم ركائزه ومقوماته، في زمن كان أعنف قسوة، وأكثر وحشة، وأكبر موتا، كنت أنت الملاذ الآمن والملجأ الحصين، والسور الشاهق الذي يحنو باستدارته، مطوقا بذراعية – في احتضان أبدي – كل من بداخله، دافعا عنهم ضربات الزمن الموجعة، وصفعات القدر القاسية، وكلما انهالت عليك الطعنات المميتة، ازدادت ابتسامتك تألقا، وروحك صفاء، وقلبك اتساعا، حتى ظننا أن تلك السعادة المجانية، التي تغمرنا بها، لن تنتهي أو تنفد يوما ما، لم نشكُّ لحظة واحدة، أن موتا يصول ويجول في الخارج، وأن تلك الحياة والبهجة التي ملأت بها أرواحنا وسماءنا، كانت آخر اختلاجات روح معذبة، وقلب غارت جراحه، واستنزف كل نبضه، ليهبنا حبا وجمالا ودفئا، مازلنا نتهجى ابجدياته المحلقة في فضاءات الصدق والطهر والجمال.
مهما تعاظم الدين، فإنه يُقضى، لكن الجميل – مهما قلَّ – لا يمكن قضاؤه، إذ يظل – بمنطق الوفاء – كلمة صادقة، عرشها القلب، ومملكتها الروح، وتخضع لها الأعناق مهابة وإجلالا، وأنت كنت تلك الكلمة، وستبقى رغم كل شيء، ذلك لأني عرفت معنى أن يجوع إنسان حتى الهلاك، لكي ينقذ حياتي من شبح الموت جوعا، وأن يذود عني شخص الخوف والقلق من المجهول، ويرد غزوات اليأس عن روحي، بجحافل الأمل والتفاؤل والتحفيز والبشارات بمستقبل واعد، بينما كنت أنت ممزق الأعماق، متناثر الروح والفؤاد، تنهشك أنياب الوحشة والغربة، وتمزقك مخالب اليأس والقلق والشعور بالضياع، كنتَ تتألم بصمت، وتنهار ببطء، وتواري كل ذلك بابتسامة هادئة، يحسبها الجاهل ترفا تعبيريا، وإفراطا في الاستهزاء بالواقع، لكن للأسف لم أقرأ آلامك في عينيك، إلا متأخرا، ولم أشعر بذلك الوخز في صدرك، إلا بعد فوات الأوان.
هكذا عرفتك، وهكذا أحببتك، دربا من النور، قادني من ظلمات الوجع، وألم الحاجة، إلى مدارات الإشراق، ونبوءات الفجر، ومن غابة التيه والضياع والموت المحقق، إلى شمس الوجود، وممكنات الانتصار والسعادة.
هكذا أنت وهكذا ستظل خالدا باقيا، رمزا للشرف الإنساني، وانتصارا عظيما لقيم الإنسانية، وهكذا أنت متفرد، لا يشبهك إلا أنت.