كيف تصنع قرارتك بشكل أفضل؟
د. أسامة محمد عبد المجيد إبراهيم
أستاذ علم النفس التربوي، جامعة سوهاج – جمهورية مصر العربية
هل عانيت يوما من تحديد خياراتك في موقف ما أو مرحلة ما في حياتك الاجتماعية أو المهنية؟
لا تقلق، لست وحدك… تقريبا لا يوجد أحد لم يمر بهذه الخبرة؛ هناك الكثير من الأشخاص الأذكياء (وربما الجماعات) سيئون للغاية في اتخاذ القرارات.
تظهر العديد من الأبحاث في علم النفس أن قراراتنا تتشوش بسبب الانحياز في التفكير واللاعقلانية. نحن نبحث عن المعلومات التي تدعم تصوراتنا في حين نستبعد المعلومات التي لا تدعم تلك التصورات. ويتشتت تفكيرنا بسبب مشاعر آنية نمر بها. وعندما يتعلق الأمر بتحديد خيارات مهمة لنا، فإن عقولنا تبدو أحيانا كـآلة عاجزة عن العمل بسبب هذه التحيزات. وللأسف فإن مجرد إدراكنا لهذا القصور لا يحل المشكلة، فمجرد معرفتنا أن لدينا “قِصَر في النظر” لا يساعدنا على رؤية الأشياء بشكل سليم. والتحدي هو: كيف يمكننا أن نتخذ قراراتنا على نحو أفضل؟
في كتاب بعنوان “الحاسم” Decisive، يناقش الأخَوَان تشيب هيث (أستاذ السلوك التنظيمي في كلية الدراسات العليا في إدارة الأعمال بجامعة ستانفورد)، ودان هيث (زميل كبير في مركز جامعة ديوك للنهوض بالريادة الاجتماعية) كيفية التغلب على تحيزاتنا الطبيعية وتفكيرنا واللاعقلاني من أجل اتخاذ قرارات أفضل بشأن حياتنا الاجتماعية، والأسرية، والمهنية.
يرى المؤلفان أن عملية صناعة القرار العادية تتحرك في أربع خطوات: أنت تواجه خيارا ما؛ ثم تقوم بتحليل الخيارات المتاحة؛ وتحدد خيارك؛ وأخيرا تنفذه وتتعايش معه. لكن ولسوء الحظ – يقول المؤلفان – “هناك شيطان يكمن بين السطور في كل مرحلة من هذه المراحل”.
عندما نواجه خيارًا، فإننا نميل إلى تأطير المشكلة بدقة بصيغة ثنائية. هذا التأطير الثنائي الضيق يجعلنا لا تدرك وجود خيارات أخرى محتملة. وبالمثل، عندما نقوم بتحليل خياراتنا، فإننا غالباً ما نبحث فقط عن المعلومات التي تؤكد افتراضاتنا ومقدراتنا بدلاً من البحث عن أفضل المعلومات التي تكشف عن الاختيار الصحيح. في الخطوة الثالثة من العملية، عندما نختار فإننا نسمح للمشاعر الآنية (التي تشكلت على المدى القريب) بتوجيه قرارنا بدلاً من استخدام المعلومات التي لدينا بحكمة. وأخيرًا، نحن نتعايش بثقة مع الخيارات السيئة التي نتخذها لأننا نؤمن إيمانًا راسخًا بأننا نعرف ما سيحدث في المستقبل! … هذه الشياطين الأربعة – التأطير، والانحياز التأكيدي، والعاطفة الآنية أو القريبة المدى، والثقة المفرطة حول معرفتنا بالمستقبل- وفقا للمؤلفين، هي الشياطين الأربعة التي تفسد اتخاذ القرارات والتي تقودنا إلى خيارات خاطئة.
يقدم المؤلفان لنا خطوات محددة لهزيمة هؤلاء الشياطين الأربعة كالتالي:
الخطوة الأولى: وسع خياراتك – للتغلب على الميل إلى تأطير القضايا بشكل ضيق إلى خيارات ثنائية. أحد الحلول هو تعدد المسارات، أي السعي بنشاط إلى اتباع العديد من الخيارات في نفس الوقت.
الخطوة الثانية: ضع افتراضاتك موضع الاختبار، بدلاً من البحث عن الانحياز التأكيدي لأفكارك المعينة مسبقًا. أحد الاقتراحات هو التأكد من أن عملية صنع القرار تشمل خطوة “لعب دور الشيطان” أو “ارتداء قبعة الآخر” التي يتم فيها الاخذ في الاعتبار جميع في الادعاءات المضادة.
الخطوة الثالثة: ضع مسافة فاصلة بينك وبين مشكلتك قبل اتخاذ القرار. من خلال منح نفسك هذه المسافة، يمكنك التعرف على المشاعر قصيرة الأجل التي قد تقودك إلى الاختيار الخطأ.
الخطوة الرابعة: هيئ نفسك لتقبل فكرة أنك ربما تكون مخطئاً. خطط لمستقبل غير يقيني بدلاً من الاعتقاد الجازم بصواب قراراتك.
وبهذه الطريقة يمكننا الالتفاف حول طريقتنا المعتادة في اتخاذ القرارات، وحماية أنفسنا من التحيزات المفسدة للقرارات، ومن ثم اتخاذ خيارات أفضل في الوقت المناسب.
جميل جدا د/اسامه