مقال

لماذا نصوم؟

بقلم: خالد رمضان 
لقد فضل الله تعالى بعض الأيام على بعض، وفضل بعض الليالي على بعض، وفضل بعض الأماكن على بعض، وفضل بعض الأوقات على بعض، وفضل بعض الشهور على بعض .
ففضل يوم الجمعة على كل الأيام، وفضل ليلة القدر على باقي الليالي، وفضل الحرم المكي الشريف، والحرم النبوي، والمسجد الأقصى على سائر الأماكن، وفضل بعض الأوقات كوقت السّحَر، وساعة الجمعة على سائر الأوقات .
كذلك فضل الله تعالى شهر رمضان المبارك على جميع الشهور ، واختصه بميزات له دون سواه، ففيه تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين .
ولكن السؤال هنا يطرح نفسه.
لماذا نصوم ؟
يأتيك بعض المتشدقين ويقول لك :
إن للصيام فوائدَ عديدةً إذ أنه ينقي الدم، ويخفض من نسبة السكري، ويعمل على إزالة دهون الكبد والكلى، وهو عامل رئيس في إنقاص الوزن، وفيه وفيه ……
هل نصوم حقا لجلب هذه المنافع ، ولدفع ما ذكر من أضرار ؟
أقول لك:
إذا ذكرت هذا لٱتاك ملحد مشككا فيما تقول، ولأخبرك أن الصيام يضر بمريض السكري، لأنه يحتاج إلى كمية كبيرة من السكر ولا يقوى على الامتناع عنها طيلة اليوم، أو يقول لك : إن مريض الكلى يحتاج إلى المياة ولا يستطيع العيش بدونها .
فماذا تقول له وقتها ؟
فلا تقل ما ليس لك به علم.
الأمر الثاني :
إذا شاع هذا الأمر وهو أننا نصوم لما في الصوم من منافع صحية، وقتها سينصرف الناس عن الغاية من الصوم إلى محاولة جلب النفع، أو دفع الضر فيضيع الأجر من الصوم ، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش”
إذا فلماذا نصوم ؟
الإجابة ببساطة أننا نصوم لأننا مأمورون بالصوم حيث قال تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون “
نصوم لأن الصيام فريضة على المسلم البالغ العاقل، ولا توجد علة غير التي بينها الله تعالى حيث قال ” لعلكم تتقون “
نصوم لأننا ممن قال الله تعالى فيهم :” قالوا سمعنا وأطعنا “
تأمل نبي الله تعالى إبراهيم حينما رأى في المنام الرؤيا وقصها على ولده ماذا قال له ابنه ؟
” قال يا أبتِ افعل ما تؤمر “
لم يعلل إسماعيل ولم يقل مثلا : اذبحني لأن ذبحي سيصير سنة متبعة، أو أن المسلمين سيثنون عليك وعليّ وسيكون لي ولك شأن عظيم .
لذلك قال تعالى فيهما ” فلما أسلما “
الإسلام معناه الخضوع والاستسلام لله تعالى .
قال تعالى في. شأن الصوم : ” فمن شهد منكم الشهر فليصمه “
الأسلوب هنا أمري في صورة الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر، فما علينا إلا الطاعة والامتثال لأمر الله تعالى.
ومما يؤيد ذلك ما فعله الخضر مع نبي الله موسى إذ قال له : ” إنك لن تستطيع معي صبرا “
ولمَ لن يستطيع موسى الصبر ؟
لأن الخضر سيخفي عنه العلة، فلذلك يبتلي الله المؤمنين ويمتحنهم ليتبين مدى قوتهم الإيمانية فيميز الله تعالى هذا على ذاك .
لا تفتح على نفسك أبواب الشيطان وتسأل عن العلل، بل أطع ربك كما أمرك وأنت على يقين أن ما يأمرك به هو الخير كله .
ولله المثل الأعلى
تخيل أن لك ولدين تأمرهما نفس الأمر، فيأتيك أحدهما طائعا مجيبا ودون أدنى تردد أو استفسار، ثم لا يأتيك الٱخر إلا مجادلا متوانيا متسائلا ، فمع من يكون قلبك ؟
وفي ذلك يقول الشاعر:
فليتك تحلو والحياة مريرة
وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبين عامر
وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين
وكل الذي فوق التراب تراب
الأمر الثاني والأخير
أن رمضان شهر القرآن الكريم، فأقبل على كتاب الله تعالى لتنهل من خيراته، ولتستقي من ينابيعه التي لا تنضب أبدا، وحاول ثم حاول أن تخفي عدد ما ختمت منه ، فلتجعلها بينك وبين الله لأن الشيطان يدخل لك من باب الطاعة كما يدخل لك من باب المعصية ، فيزينها في عينيك حتى تعجب بها فيضيع ثوابك هباء منثورا .
اللهَ تعالى نسأل الإخلاص في القول والعمل.
كل عام وأنتم جميعا بخير وسعادة وصحة وسلامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى