حكايا من القرايا.. كان يا ما كان
عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين
مريم، بنت مزيونة، تمناها الخطّاب، لكن أهلها كانوا يرفضونهم… مريم، كانت تنتظر الفارس على جواد أبيض… لكنها لم تكن تعلم أنه حتى لو أتى ذاك الفارس، فسيرفضه الأهل… رفض الأهل العرسان، لأن الأم كانت حاطّة عينها على ابن (أخوها) خليل… والأب حاطط عينه على ابن (أخوه) سعيد… صراع بين النظرتين… لكنه صراع صامت… ومريم المزيونة بين حانا ومانا… والأولاد والبنات في الأسرة منقسمون بين المعسكرين… فمنهم من يقف مع ابن العم…ومنهم من يقف في الطرف الآخر… ويأتي ذاك اليوم الذي يتفجر فيه الصراع…
يأتي دار الخال ويطلبون يد مريم… لا تتجرأ الأم على قول كلمة الموافقة… أبقتها حبيسة لكنها أطلقت ابتسامة تدل على ارتياح… الأب طلب مهلة يوم أو يومين للتفكير ورد الجواب، وقال: ما بوخذ وبجيب إلا القسمة والنصيب… الأولاد انقسموا بين معارض ومؤيد… ودارت رحى معركة أسرية، فمنهم من وافق ومنهم من وضع الفيتو على الطلب… وكانت الخلاصة… الأم تقاطع الأب ولا تكلمه، وسالم مطرود من البيت لموافقته الأم… ومريم تبكي ليل نهار مع باقي إخوتها…
وكأن الزوجة أقنعت بعلها بقبول ابن أخيها… وكأن القرار دُبّر بليل… وعاد سالم إلى البيت منتصراً، وأرسله أبوه إلى دار خاله برسالة مستعجلة تتضمن القبول… أما الحزينة مريم، فبدت كقطعة الإسفنج تمتص المصائب، وكل همّها الوصول إلى سلم أهلي أسري… ولضمان ذلك فإن مصيرها هو آخر شيء تفكر به…
وأتى دار الخال، أتوا وكأنهم غزاة، أتوا ومعهم مأذون لكتب الكتاب، أتوا بسرعة وعلى عجل، كأنهم يريدون سرقة جذوة نار… جلسوا… رحّب بهم أبو مريم، ورحبوا بقراره، وشرب أبو مفلح خال العروسة قهوته… ثم تقدم المأذون وبدأ عمله… وطار الخبر في الفضا… على جناح زغرودة زوجة الخال… وزغرودة أخرى… ومهاهاة…
تجهزت غرفة عمليات في دار العم، وهجموا كثورة مضادة لقمع ثورة… أتوا بهياجهم وصياحهم… وتهديدات وصلت المأذون المحايد… طوقوا البيت، وهرب المأذون الذي اتهم بانحيازه لمعسكر الخال… ويا فرحة ما تمت… رغم صياح أبو مريم وتهديداته، وعرض شرعيته بأنه صاحب الولاية الأولى على مريم… لكن صياح دار العم كان أقوى… على اعتبار العم مولّى والخال مخلّى… وابن العم بنزل العروس عن الفرس… الجيران الخيّرون فزعوا وحجزوا المتواجهين، وأعادوا انتشارهم بإبعادهم عن بعضهم بعضاً… لكن القوة النسائية لم تمتلك الطاقة الكافية لإبعاد زوجة العم عن أم مريم… وبقدرة قادر تم تحرير شعر أم مريم من بين أيدي المهاجمة زوجة العم… وسط عباراتها بأنها سبب البلاء، والمصائب كلها… ووسط المسبّات والشتائم المقذعة أحياناً…
في اليوم التالي، كانت الطوشة على الشفاه كلها، وأصبحت خرّيفية القرية… وبعد ثلاثة أيام تدخل أهل الحل والعقد… ثم كانت المفاجأة، تفاجأ الجميع… تفاجأ أهل العروسين، والجيران، وحتى المأذون… كانت مفاجأة الجميع عندما قالت مريم كلمتها، وأعلنت قرارها، كانت كلمة مريم كشمس أطلّت فجأة من خلل الغيوم… فماذا قالت مريم؟ وكيف تفاعلت في هذه البوتقة، وكوّنت قراراً؟