السلطة والثروة من الزواج  إلى الصدام

السلطة والثروة من الزواج  إلى الصدام

محمد عبد العظيم العجمي | مصر

الصراع في مسارات الحياة حتمية كونية، لا تفرضه سنة البقاء، لكن تفرضه سنة التمكين والاستخلاف والإعمار؛ وقد ذكرنا في قصة ذي القرنين التي أتبع فيها أسباب العقل والسعي ما جعل له من أسباب التمكين والاصطفاء، وحتى لا يتحول هذا الصراع من البقاء إلى الفناء لابد له من قوانين تحكمه، وتضبط مسارات الحركة فيه لئلا يخرج عن منهجية الاستخلاف، وكونية الإنسان؛ لا نقول: أشبه بحياة الغاب، فهذا فهم مغلوط واتهام باطل من بني البشر لجنس الحيوان، وذلك لأن صراع الغاب تحكمة قوانين فطرة طبيعية صارمة وحازمة، تحفظ التوازن والتناغم والبقاء، وتحول دون فناء نوع أو تدمير بيئة.

ومن عاصر منا فترة التسعينيات، ورأى هذه الطريق المعبدة المنسرحة من السلطة إلى الثروة، ومن الثروة إلى السلطة، وهذا التزاوج والتعاون الذي لم ينكر أحد الطرفين فيه على صاحبه أن يقضم نصيبه من حظه في الثروة للسياسيين، أو من السلطة لأصحاب الثروات.

لكن حين يحول هذا التعاون الذي لم يكن إلا على حساب الشعوب، فينقلب إلى صراع أوصدام لا يكون إلا على حساب الجماهير كذلك، فهذا أشبه ما يكون بصراع الفيلة إن تصالحوا أكلوا العشب، وإن اقتتلوا دمروه، والخاسر في الحالين هم الخاسرون دائما، الذي يجعلون من أنفسهم وقودا لتزكية مثل هذه النزاعات تسعر بهم دائما، ثم يخرجون منها كمخلفات الحرب (كسير وعوير)، ثم يلقون باللائمة دائما على القضاء، وكأن القضاء يبيت لهم على الضغن، ويتربص بهم الدوائر متناسين أن الإنسان يصنع كثيرا من قدره، وأنه أينما ولى وجهه سار القدر معه مؤيدا إلا أن يحول الله بين المرء وقلبه.

في الفيلم الأمريكي (piercer Snow): في هذا الحوار المثري بين البطل وقائد القطار، يمثل الأول طبقة مؤخرة القطار، ويمثل الآخر الصفوة المنوط بهم قيادة العالم، يقول الثاني للأول بعد أن تقابلا في المقدمة وبعد ثورة المؤخرة على القيادة ، يقول: “لم يسبق لأحد من قومك أن أتى إلى هذا المكان، ولم أذهب أنا أبدا إلى مؤخرة القطار.. ثم يقول: كل شخص له مكانته الخاصة ، وكل شخص يجلس في مكانه الطبيعي.. عدا أنت”.

هذا المنطق الصحيح في بعضه ، والمزيف في بعضه الآخر؛ فالصحيح أن لكل شخص مكانه المناسب الذي مكن له به في الحياة،  وبه فهو ينشد قدره، أما المزيف فهو هذا الإيحاء الذي يريد من في مقدمة القطار توصيله، وكذلك من هم على شاكلته، وهو أن الأقدار تحول دون تبادل الأدوار، وأن الأيام ليست دولا بين الناس كما أراد لها مقدر الأقدار، وبالتالي يقف البعض حائلا دون أقدار البعض، ويدعون أن هذا توازن الكون وحتمية الطبيعة؛ كما تنطع بعضهم قبل ذلك قائلا أن ابن القاضي يجب أن يكون قاضيا ، وابن .. ، يجب أن يكون كذلك

إن الصراع إذا فرضنا أنه حتمية طبيعية، فإنه يجب أن يكون من أجل الإعمار والإثمار لا من أجل إفناء كلا الطرفين أحدهما الآخر، أو من أجل إهلاك العشب والحرث والنسل .. إن غياب الأطر والضوابط الأخلاقية والدينية، وتعدي الصراعات من حيز(السياسة) والمصالح إلى حيز الحيوات الشخصية، والإضرار بالصالح العام ،وتغليب المصالح الشخصية على مصالح الجماهير التي أسند أمرها إلى الولاة ليخدموها، فيجعلوها وقودا للصراع ، وحطبا للنار.. هذا التجاوز، وهذا اللدد لمن البغي والشطط الذي يندم مبتغوه، ولا يحيق مكر السوء إلا بأهله:

ندم البغاة ولات ساعة مندم     والبغي مرتع مبتغيه وخيم

كما أن تضييع الأمانات، وإهدار حقوق العباد من أجل أغراض خاصة لمن الظلم البين، وهو ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم أن تصبح الأمانة (مغنما)، كما أن التعالى والإعراض عن نصح أولي الرأي والعقل، لهو مؤذن بزوال النعم ، وكذلك تخلي ذوي النصح عن دعوتهم إلى الفيء إلى أمر الحق، والإصلاح بين الناس لمؤذن أيضا بهلاك المجتمعات ” فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) ” (هود).

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى