رمضان والتغيير
د. أحمد الطباخ
يجيء رمضان كل عام بعد أحد عشر شهرا من تلك العادات التي دأب عليها الناس وتعودوا على فعلها حتى صاروا أسرى لها من الصعب الفكاك عنها فصارت من لوازمهم المعتادة وحياتهم التي يداومون على فعلها في عاداتهم المأكولة والمشروبة وطريقة حياتهم في صحوهم ومنامهم فيجيء رمضان ليقلب كل هذا رأسا على عقب ويبدل أحوالهم في نومهم وصحومهم وطعامهم وشرابهم وكأن لسان حاله يقول لهم: غيروا وتغيروا فدوام الحال من المحال والتغيير سنة كونية وناموس إلهي فتاملوا الكون الذي خلقه الله وسخره لكم ليس فيه شيء يثبت على حاله وإنما تتبدل الأدوار وتتغير الأحوال إلا ذلكم الإنسان الذي لا يريد أن يغير ويتغير فالأرض وما برأ الله على ظهرها يعتريها ما يعتري غيرها والسماء وما زينها الله من كواكب ونجوم وشمس وقمر وليل ونهار وصيف وشتاء وربيع وخريف كل يتبدل حاله ويتغير .
أما أنت فيا خليفة الله في أرضه لا تريد أن تتغير فالله يريدك أن تكون أهلا لتلك الخلافة فلماذا تظل طول العام على حالك من التبلد وعدم الاحساس والتأمل في ملكوت الله وما خلق لتنشد الخير وتبحث عنه في دخيلة نفسك وما حباك الله من نعم وما أسبغ عليك من خير فالله هيأ لك الزمان والمكان حيث رمضان الذي هو فرصة عظيمة لتقتل في نفسك ذلك الغرور وتؤدب نفسك الجوع والحرمان وتأخذ بتلك الأيام المعدودات التي افترضت عليك فيها الصيام تأديبا لنفس أمارة بالسوء وإذاقتها الجوع والعطش حتى يلين لك قيادها ويكبح لك جماحها وتستقيم لك قناتها وإن كان على شياطين الإنس والجان فقد سلسلتها لك حتى لا تكون لك حجة ويكون الصيام فرصة للتغيير في ظل هذه الظروف المواتية والفرص السانحة فما عليك سوى الاقلاع عن عاداتك القبيحة وإمساك لسانك عن الرفث واللغو والتخلق بأخلاق المؤمن الصائم والتقي القائم خوفا وورعا وخشية وتقى لعلكم تتقون فتجاهدون نفوسكم وتغيرون قلوبكم بالتطهر من الذنوب والتوبة النصوح ليعوض كل ما فقده في الاحد عشر شهرا من الآثام والسيئات فهل أنتم قادرون على قهر عدوكم الداخلي بالتخلية والتخلية بتلك الأجواء الرمضانية والخلوات النورانية والتلاوات القرآنية بتدبر وتأمل وتفكر فإن فاتكم ذلكم الخير الإلهي في رمضان فأين ستجدونه بعد رمضان؟ ! .
كان السابقون يجعلون رمضان فرصة حقيقة في الجهاد والتغيير والتنقية والتطهير والمحاسبة ومجاهدة النفس التي لو ترك لها الحبل على الغارب لهوت وأغوت صاحبها فيظل هكذا دون أن يخرج بنتيجة حقيقية وثمرة واقعية ولذة إيمانية وحلاوة قلبية بزيادة الإيمان وطهارة القلوب من الضغائن والأحقاد وصفاء النقوس فصيامكم ليس تجويعا ولا تعذيبا ولا طقوسا تؤدى وإنما تدريب وتهذيب وتعليم وترويض وتغيير ومن أجل أن تتأمل في حياتك الدنيا التي لا يدوم حالها وأنت فيها لست ترسا في آلة وإنما أنت السيد الحر العبد العابد المتبتل في تقوى ربه والاستقامة على منهجه ووفق شرعه