انطفاء
شعر: محمد القاضي | مصر
وقد امتلأت بضحكاته جنبات الطريق
ناثرا طيشه هنا وهناك
والأصدقاء من حوله
يتجاذبون معه
تلك اللحظات الخالدات
على مر الزمان
نظر إليه
وقد حال بينهما العمر
هاتفا فيه
عبر أجيال من الأوراق المتساقطة
أن يحذر الإشراق المشع من حوله
وقد ترصد له بالليل
شيء كثير من الانطفاء
لكن الفتى العابث بالأشياء
مضى في ضحكاته الصاخبة
غير عابئ كثيرا
بهذا الملح عليه في الهتاف
–
ظل يراقب خطواته المتسارعة
وهو يقترب شيئا فشيئا من الظلام
ذلك الفتى المخدوع
بما تظاهر حوله من البريق
ليس ينصت لشيء
سوى لهذا الطموح الكبير
وهو الأقرب إلى السراب
منه إلى حقيقة الأشياء
لكنه حتى في سرابه هذا
يدرك من المتعة ما لا يصل إليه
هؤلاء الواجمين على حاشية الأيام
–
أذهله هذا الاندفاع العابث في كل اتجاه
كيف استطاع الفتى
أن يحرز كل هذا الإنبساط
مع أن خطواته العابثة
لا ينبغي أن يكتب لها
الكثير من الثبات
تظاهر بخوفه عليه من طيشه الكبير
لكنه في حقيقة الأمر
كان خائفا على نفسه
من أن تواجه ظلامها
وقد توالت عليها
عقود من الإنطفاء
–
كم تمنى أن يتخلى لحظة
عن الواقع والمنطق والثبات
وأن يقفز عبر الزمن
ليتشارك مع فتاه العابث
كل ما أمكنهما من الإندفاع
لقد مل الرجل كل هذه الأشياء
واشتاق كثيرا
أن ينهل من طيش الفتيان
ذلك الذي لا يرى
أكثر مما بدا على امتداد البصر
ذلك الذي لا يعي
أكثر مما طفا على سطح الماء
ذلك الذي لا يبغي
أكثر مما يلبي رغباته الآنية
–
ما بين ثبات الرجل هنا
وطيش الفتيان هناك
محطات من الإنطفاء
وفي كل مرة كان عليه أن يتوقف
دفع الكثير من إشراقه
قبل أن يُسمَح له بمتابعة المسير
حتى إذا ما بلغ محطته التي يقف عليها الآن
أدرك هول الثمن الذي دفعه على ذمة السفر
–
لن يدرك الرجل يوما عالم الفتيان
سيظل يبتعد عنه أكثر وأكثر
سيظل يحن إليه أكثر وأكثر
سيظل يتعجب منه أكثر وأكثر
وبينما يبقى الفتيان هناك
يستمتعون بطيشهم إلى أقصى مدي
يمضي الرجل بعيدا
إلى حيث المزيد من الإنطفاء