” كما مات وطن “.. أرواح في أجواف طير خضر فوق ” جبل أحد “

عبد الرزّاق الربيعي | شاعر ومسرحي وكاتب صحفي – مسقط 

فكرة روح الشهيد التي تظل تحوم حول المكان الذي تحب، والمشاهد المؤثّرة لشهيد يرى تشييعه وهو يطلّ من أعلى” جبل أحد” على ساحة التحرير مع رفاقه الشهداء، أثارت جدلا كبيرا في مواقع التواصل بعد عرض قناة الشرقيّة للحلقة ١٨ من (كما مات وطن) فهناك من نسبها للفيلم الإيراني” خدا حافظ رفيق” 2011، ، أو مسرحية “يارب” للكاتب علي عبد النبي الزيدي، أو الصفحات الأولى من رواية” فرانكشتاين في بغداد” للكاتب أحمد سعداوي، والفكرة مطروقة، وأصلها ينطلق من الآية الكريمة “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ” (آل عمران الآية 169)، وقد ورد في تفسير الطبري حدثنا محمد بن إسحاق، عن الأعمش، عن أبى الضحى، عن مسروق بن الأجدع قال: سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآيات: ” ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله ” الآية، قال: أما إنا قد سألنا عنها فقيل لنا: إنه لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحَهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فيطَّلع الله إليهم اطِّلاعةً فيقول: يا عبادي، ما تشتهون فأزيدكم؟ فيقولون: ربنا، لا فوق ما أعطيتنا! الجنة نأكل منها حيث شئنا!ثلاث مرات – ثم يطلع فيقول: يا عبادي، ما تشتهون فأزيدكم؟ فيقولون: رّبنا، لا فوق ما أعطيتنا! الجنة نأكل منها حيث شئنا! إلا أنا نختار أن تُردّ أرواحنا في أجسادنا،  ثم تردَّنا إلى الدنيا فنقاتل فيك حتى نقتل فيك مرة أخرى “، وقد ترسّخت الفكرة في موروثاتنا الشعبيّة، هذا الجدل أعاد لذاكرتي نصّا رثيت به صديقي الشاعر عبد الحميد فاخر الذي أستشهد في الحرب العراقيّة الإيرانيّة مطلع الثمانينيّات عنوانه ” الطيف” منشور في ديواني الأوّل” إلحاقا بالموت السابق”رسمت من خلاله مشهدا لنسوة يجلسن في حيٍّ شعبيٍّ، ليلة الجمعة، وهي ليلة مباركة في موروثاتنا الدينيّة، يتحلّقن حول أمّ الشهيد وتروي” أمّ حميد” لهنّ حكاية الرؤيا التي اعتادت أن تكرّرها عليهنّ في مثل هذه الليلة من كلّ أسبوع، تتلخّص في رؤيتها في المنام للسيدة فاطمة الزهراء، ومواساتها، وتطمينها بأنّه سيأتي بمثل هذه الليلة على جَواد، لكي يكحّل عينيه برؤيتها، ويقبّل جدران الحيّ، ثمّ يعود من حيث أتى، ويشاركن النسوة ” أم حميد” هذه الجلسات من باب المواساة، ثم ينصرفن بعد أن يسدل الليل ستاره، والنص هو:
عشيّة كلّ خميس ٍ تلبسُ (أمُّ حميد ٍ) أحلى ما في خزّانتها
من حلي
وثيابْ
تتبخّرُ بالسعد
وتجلسُ عند البابْ
تُراقبُ قرصَ الشمس ِ الورديِّ
تُكحّلُ عينيها بالنور ِ
فتسعى نسوةُ (حي الهادي ّ ) إليها
يبكينَ بصمت ……
تبدأُ (أمُّ حميد ٍ ) أمسيتها
فتُكرِّر ما قالته مرارًا”
طفتُ بفاطمة ِ الزهراء
أتتني ……
كالبدر ِ تشعشعُ من طلعتِها الأنوارُ
رأتْني أبكي ….
قالتْ ….
يا أمَّ شهيد ِ الأرض ابتهجي
سيمرُّ عليك ِ
عشيّة َ كل َِ خميس ٍ
فوق جَواد الريح ِ
يدقُّ الأبواب َ
يقبّلُ جدران َ الحي ِّ
بصمت ٍ
وجَواد “حميد” ٍ
سيمرُّ بنا هذي الليلة َ
سيمر ُّ الليلة َ
حتمًا سيمر ُّ
و تلتمعُ النجمات ُ
يخف ُّ الدرب ُ من الماشين
فتشعرُ نسوة ُ (حي الهادي)
بالبرد ِ
يقمنَ…..
وتغلقُ (أمُّ حميد ٍ) بوّابتها الخشبيّة
تصلّي….
لخميس ٍ قادم

هذا النص لفت نظر الراحل د.علي عبّاس علوان، فضمّنه في دراسة نقديّة قدّمها في ندوة ضمن حلقة نقاشية بمهرجان” المربد” ١٩٨٧ وكانت حول ” الشخصية في القصيدة العراقية” نشرها في مجلّة ” الأقلام” نالت صدى طيّبا
ويبقى الرهان على المعالجة الفنيّة في كلّ عمل تناولها من هذه الأعمال، ومدى التأثير الذي حقّقته في المتلقي، وردود الافعال التي أحدثتها الحلقة، وتفاعل الجمهور تأكيد على نجاح الكاتب مصطفى الركابي، وبطلها اياد راضي، وصبا إبراهيم، ومازن محمد مصطفى، وبقيّة فريق العمل الذي قاده المخرج سامر حكمت، فلهم التحيّة، ورحم الله شهداءنا الأبرار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى