ثقافة المطالعة

جميل السلحوت | فلسطين

          لا أعتقد أنّ هناك عاقلين يختلفان على أهميّة العلم والمعرفة، فبالعلم تنهض الأمم، وبالثّقافة والإبداع تسمو، وفي الوقت الذي تعتبر فيه الشّعوب المتحضّرة والرّاقية الرّياضيّات أساس العلوم، فإنّ “شيوخ” العربان يعتبرونها رجسا من عمل الشّيطان، متناسين الآيات القرآنيّة والأحاديث النّبويّة التي تحثّ على التّفكير وطلب العلم، ولم يميّزوا بين متطلّبات الدّين ومتطلّبات الدّنيا، ولم يشغل تفكيرهم يوما سبب تقدّم الشّعوب الأخرى ورقيّها على مختلف الأصعدة، وهم راضون بما هي عليه شعوبهم ودولهم من تخلّف عن الرّكب الانسانيّ، وحتّى أنّهم يسيئون مفهوم التّوَكّل القائم حقيقة على قاعدة “اعقل وتوكّل” فهم يتوكّلون ولا يعقلون. ولا ينتبه كثيرون إلى الأميّة المتفشّية، ومع ذلك نجد منّا من هو فرح وسعيد بجهله ظنّا منه أنّه العالِم الوحيد في عصره، غير مدرك لمقولة الإمام الشّافعي رضي الله عنه والتي مفادها ” أجهل الجهلاء من يجهل ولا يعلم أنّه يجهل” وهذا ما أدركه أبو الطيب المتنبي المتوّفى عام 965م، أي قبل أكثر من  ألف عام عندما قال:

ذو العقل يشقى في النّعيم بعقله…وأخو الجهالة في الشّقاوة  ينعم

ويضاف إلى جهلنا جهل آخر هو”الانغلاق الثّقافي” المتمثّل بعدم الإطلاع على ثقافات الشّعوب الأخرى، وعلى ما وصلت إليه من نهضة مذهلة.

 وبعدها نتساءل: لماذا أمّة اقرأ لا تقرأ؟ ولماذا كبريات دور النّشر في العالم العربيّ لا تطبع أكثر من عشرة آلاف نسخة من مؤلفات كبار المبدعين والمفكّرين العرب؟ توزّع في الدّول العربيّة جميعها، في حين غيرنا من الشّعوب تطبع مئات آلاف النّسخ أو ملايين من كلّ كتاب، مع أنّ عدد شعوبها لا يساوي 10% من عدد شعوب العربان.

           وعدم قراءة العربان لها أسباب كثيرة منها تفشّي الأمّيّة، والفقر والحرمان وارتفاع سعر المطبوعات قياسا بالمداخيل المتدنّية وغيرها، لكنّنا نغيب السّبب الأكثر أهمّيّة وهو تغييب ثقافة المطالعة، التي إذا ترسّخت تصبح سلوكا، ودعونا نتساءل عن نسبة من يملكون مكتبة في بيوتهم؟ وعن نسبة من يشترون كتبا لأطفالهم في مراحل الطّفولة؛ ليشّجعوا بناتهم وأبناءهم على المطالعة؟ وعن نسبة من يُهدون كتابا لأصدقائهم في المناسبات؟ وعن نسبة من يحترمون الكتاب والكاتب؟ وعن نسبة المدارس التي تمتلك مكتبات وتشجّع طلابها على المطالعة؟ وعن نسبة رّواد المكتبات العامّة؟ وبالتّأكيد فإنّنا إذا حصلنا على إجابات دقيقة لأسئلتنا فإنّها ستشكّل صدمة لنا.

           عند الشّعوب المتحضّرة يبدأ اهتمامهم بتربية الطّفل على المطالعة وهو جنين في بطن أمّه، فيسمعونه موسيقى خفيفة، وبعد ولادته هناك قصص مخصّصة لكلّ مرحلة عمريّة، فيقرأ له والداه ما يناسب عمره، وفي الحضانة يقرأون له، وعندما يتعلّم الأبجديّة يقرأ وحده، وله مكتبة خاصّة يحفظ كتبه على رفوفها، وفي المدرسة تدخل المطالعة ضمن المنهاج، وفي الحيّ الذي يسكنه مكتبة عامّة، لذا فالمطالعة تصبح سلوكا له.

          ونحن إذ نسوق ذلك ليس من باب جلد الذّات، ولا من باب تسجيل المواقف، وإنّما لنقف على أسباب الخلل في عدم وجود مجتمعات قارئة، لأنّها لو وجدت لكان باستطاعة دور النّشر أن تطبع مئات آلاف النّسخ من كلّ كتاب، وستبيع الكتاب بسعر معقول؛ لأنّها ستحقّق أرباحا مجزية سيكون للكاتب منها نصيب، وسينعكس ذلك إيجابا – فيما لو حصل- على وعي الشّعوب وتقدّمها، لكنّ الأمنيات شيء، والواقع شيء آخر مع الأسف، ولو ترسّخت ثقافة المطالعة عند شعوبنا، لازدادت المعرفة والوعي، وهذا سيساعد على التّحرّر من “ثقافة الهبل والجهل” التي تعشّش في رؤوس كثيرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى