الضمائر في القرآن: (مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ)

أ.د. عنتر صلحي عبد اللاه | مصر – أستاذ اللغويات التطبيقية – جامعة جنوب الوادي

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ ۖ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ(23) (السجدة: 23)

والسؤال هنا: لقائه : لقاء من أو ماذا؟ وجعلناه: من ؟ أو ماذا؟

والمعاني المحتملة المختلفة هي كالتالي:

  1. لقاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالنبي موسى عليه السلام:

 أ. فلا تكن يا محمد في شك من لقاء موسى ; قاله ابن عباس. وقد لقيه ليلة الإسراء. وقال قتادة : المعنى فلا تكن في شك من أنك لقيته ليلة الإسراء . والمعنى واحد.

 ب. وقيل : فلا تكن في شك من لقاء موسى في القيامة ، وستلقاه فيها. إذن المعنى الأول هو لقاء موسى عليه السلام سواء قبل حادثة الإسرا (أي ستلقاه) أو بعدها (لا تشك أن لقيته وأن الإسراء كان حقا) أو لقائه يوم القيامة.

 

  1. المعنى الثاني: لقاء موسى بالكتاب (أي قبوله) : فلا تكن في شك من لقاء موسى الكتاب بالقبول ؛ قاله مجاهد والزجاج. فالهاء تعود على الكتاب الذي أرسل لموسى.

 

  1. المعنى الثالث: لقاء الأذى…. عن الحسن أنه قال في معناه : ولقد آتينا موسى الكتاب فأوذي وكذب ، فلا تكن في شك من أنه سيلقاك ما لقيه من التكذيب والأذى ; فالهاء عائدة على محذوف ، والمعنى من لقاء ما لاقى . قال النحاس : وهذا قول غريب، إلا أنه من رواية عمرو بن عبيد.

 

  1. المعنى الرابع: لقاء الموت… قيل في الكلام تقديم وتأخير ; والمعنى : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم (الآية 10) فلا تكن في مرية من لقائه (الاية 23) ; فجاء معترضا بين (ولقد آتينا موسى الكتاب) وبين (وجعلناه هدى لبني إسرائيل). [في القرطبي].

هذه أربعة معاني لضمير واحد (لقائه) وبقي الضمير الثاني (جعلناه)، والمعاني التي وردت فيه كالتالي:

  1. أحدهما : جعلنا موسى ; قاله قتادة
  2. جعلنا الكتاب ; قاله الحسن.

وكما ترى تعدد هذه الدلالات في استخدام الضمير، فلنرى ما فعل المترجمون:

Sahih International: And We certainly gave Moses the Scripture, so do not be in doubt over his meeting. And we made the Torah guidance for the Children of Israel.

اختارت الصحيحة الدولية معنى لقاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالنبي موسى عليه السلام، وجعلنا التوارة هدى.

Pickthall: We verily gave Moses the Scripture; so be not ye in doubt of his receiving it; and We appointed it a guidance for the Children of Israel.

اختار بيكتول لقاء موسى للكتاب أي قبوله، وجعل الكتاب كذلك هدى.

Yusuf Ali: We did indeed aforetime give the Book to Moses: be not then in doubt of its reaching (thee): and We made it a guide to the Children of Israel.

اختار عبد الله يوسف علي معنى غريبا مخالفا لكل ما ذكرنا: وهو لقاء محمد صلى الله عليه وسلم للكتاب (القرآن) أي إتمامه لك كما ألقيناه وأتممناه لموسى، وربما أعتد يوسف علي على تفسير لم نقف عليه. واختار جعل الكتاب هو الهدى.

Shakir: And certainly We gave the Book to Musa, so be not in doubt concerning the receiving of it, and We made it a guide for the children of Israel.

اختار شاكير لقاء الكتاب ولم يوضح أي كتاب أو أي نبي لقي الكتاب، وجعل الهدى بالكتاب.

Muhammad Sarwar: We gave the Book to Moses – do not have any doubt about the Day of Judgment – and made it a guide for the children of Israel.

وأما سرور فتعمد اختيار معنى واحدا فقط وهو عدم المراء في وقوع يوم القيامة (وربما تؤل ذلك من آية يدرككم الموت)، وجعل الكتاب مصدر الهدى.

Mohsin Khan: And indeed We gave Musa (Moses) the Scripture [the Taurat (Torah)]. So be not you in doubt of meeting him [i.e.when you met Musa (Moses) during the night of Al­Isra’ and Al­Mi’raj over the heavens]. And We made it [the Taurat (Torah)] a guide to the Children of Israel.

ومحسن خان فسر فيما بين القوسين أن اللقاء هو لقاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالنبي موسى عليه السلام ليلة الإسراء والمعراج، وأن الهدى بالكتاب (التوارة).

Arberry: Indeed, We gave Moses the Book; so he not in doubt concerning the encounter with him; and We appointed it for a guidance to the Children of Israel.

وأما أربري فقد استخدم ضمير العاقل him في اللقاء بما يدل على لقاء موسى ، واستخدم it  ضمير غير العاقل لمصدر الهدى وهو الكتاب.

Ghali: And indeed, We already brought M‍ûsa (Moses) the Book; so do not go into wrangling (The addressed is the Prophet) about receiving it; and We made it for a guidance to the Seeds (Or:
sons) of . Israel)

استخدم محمد غالي ضميري غير عاقل it في الحالين، ليدل على قبول محمد صلى الله عليه وسلم للكتاب (القرآن) أو قبول موسى للكتاب (التوارة) فالمعنى ملتبس، وأن الكتاب (التوراة) مصدر الهدى لبني إسرائيل.

AbdulHaleem: We gave Moses the Scripture– so [Muhammad] do not doubt that you are receiving it– and We made it a guide for the Children of Israel.

وأما عبد الحليم فقدم المعنى بغير إلتباس فوضح أن اللقاء هو لقاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالكتاب (القرآن) أي إتمامه له، وجعل مصدر هدى بني إسرائيل هو كتابهم (التوارة).

وهكذا ترى أن المترجمين الثمانية اتفقوا على عائد الضمير الثاني في (جعلناه) باستخدام دلالة الكتاب (التوارة)، ومع ذلك لم يتفق اثنان من الثمانية حول دلالة العائد في ضمير (لقائه)، وكل منهم معتمد على ورد في التفسير، و له أسباب لتفضيل معنى على آخر، ومن املاحظ أن الترجمة الدولية الصحيحة التي إنجزت بالمملكة العربية السعودية وكذلك ترجمة محسن خان التي يطبعها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف سنويا هما الوحيدتان اللتان أقرتا معنى اللقاء في ليلة الإسراء، مع اختلاف في أن الصحيحة جعلت اللقاء عاما (في الإسراء أو الآخرة) أما خان فحدده بليلة الإسراء. وفي أحدث ترجمات القرآن (ترجمة المهندس فاضل سليمان التي تعتمد على القراءات و تتقصى أسلوب الألتفات) نجده انحاز لصياغة الصحيحة الدولية، فجاءت ترجمته هكذا:

Soliman: And We certainly gave Moses the Scripture, so do not regard his meeting with scepticism. And We made it a guidance for the Children of Israel.

والله أعلم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى