دواء أبيض/ أسود

د. أحمد جمعة | شاعر وطبيب بيطري

ابتعدوا قليلا
ودعوا الألم يأخذ مساحته
دعوا الحزن يتطمى،
واشربوا خاشعين كأس الصمت
قبل أن تنكسر الكلمات حين تُسرع الخطى الراجفة،
ودعوا للفتق الذي أحدثته نواياكم
أن تخيطه رسائلكم الآسفة؛
فلن يخرج الاطمئان ثانية من جب البوح
إلا حين ندلي إليه دلو الحب
ولو كان مخروما.

الدواء الأبيض
يجلس الآن في زاوية ضيقة للقلق
ينتظر دواءً أسود؛
كلاهما في عين العتم سواء،
هل يميز الكبد بين دواء أبيض يرتدي بذلة أنيقة برابطة عنق وعطر فرنسي،
وبين دواء أسود بثياب مهترئة تفوح منها رائحة الشوارع التي كساها الموت؟!

دعوا للمأساة أن تعبر خوفكم
أن تحفر على وجوهكم الوسيمة الملامح المرعبة
-أقصد الرجل الأبيض؛ فالرجل الأسود يولد أساسا بملامح مرعبة-
أن تأخذ من حناجركم الحبال الناعمة
وتفتل أغنية طويلة للوجع
ربما تنقذ العالم من أن يغرق للأبد في السواد.

النساء يرتدين الأسود
والرجال يرتدون نساءً يرتدين الأسود
هكذا يعبّر العالم عن أحزانه،
بينما الأبيض رمز للسعادة،
هكذا ورّثنا العالم المتنمر والسافل
فالرجل الأبيض المنقذ الأوحد للعالم دوما
ونحن السود المنتسبين للبشرية مصدر الوباء؛
آه لقد كان الموت أسود
حين برزت مخالب الطاعون!

فدعوا للمرض أخيرا أنا يأخذ فرصته
ويساوي الرؤوس،
دعوا للطبيعة أن تنتقي اللون الأصلح للبقاء والذي لن يقول لعذاباتها يوما: كفى.

قبلة واحدة بلون الورد
كأس برتقال من عيني فتاة شقراء
مساحة واسعة ولو قليلا..
تجري فيها ابتسامتي قبل أن تذبل في أحلامي
فراشة للحب لا تجد أمانها إلا في قلبي
ويد تلف جسدي المرتجف..
حين يتكالب العالم على جثتي،
هذا كل ما حلمت به..
-أنا الفتي الأسود-
حين أقف شامخا تحت سماء نيويورك!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى