غزة النص.. غزة التأويل
شعر: هشام محمود
شاعر وناقد وإعلامي مصري
الحَرْبُ
لَا شَيْءَ يُشْبِهُهَا سِوَى الحَرْبِ ذَاتِهَا،
أَنْتَ الوَاثِقُ فِي ظِلِّكَ،
المَأْخُوذُ بِلَا خَطِيئَةٍ،
لَا تَأْمَنُ شَيْئًا،
وَلَا يُخِيفُكَ شَيْءٌ.
وَبِاِبْتِسَامَةٍ لَنْ تَعْنِيَ أَحَدًا،
عَلَى الأقل، فِي الوَقْتِ الرَّاهِنِ،
سَتَبْدُو كَنَبِيٍّ..
دُونَ رِسَالَةٍ بِالمَعْنَى المُتَعَارَفِ عَلَيْهِ،
فَقَطْ…
جُرْحٌ غَائِرٌ،
سَيُنْكِرُهُ السِّيَاسِيُّ،
وَتَحْسَبُهُ العَاشِقَةُ أَثَرَ طَعْنَةٍ،
وَسَيُدْرِكُ الطَّبِيبُ أَنَّهُ مُجَرَّدُ مَزْحَةِ جَرَّافَةٍ..
لَمْ تَتَعَلَّمْ تَفَادِي الأَطْفَالِ..
وَهِيَ تَهْدِمُ بَيْتًا عَلَى سَاكِنِيهِ.
***
الحَرْبُ تُولَدُ عَاقِرًا،
وَبِلَا أَبَوَيْنِ،
وَسُرْعَانَ مَا يَتَلَقَّفُهَا اللُّصُوصُ،
وَبَاعَةُ الأَوْهَامِ التَّارِيخِيَّةِ،
وَهَذَا بِالضَّبْطِ مَا سَيُدْرِكُهُ الرَّأْسُ المَقْطُوعُ لِلتَّوِّ،
قَبْلَ أَنْ يَلْتَقِطَ مَعَه الجُنْدِيُّ صُورَةً لِلذِّكْرَى.
وَلِحُسْنِ حَظِّ الرِّوَائِيِّ..
لَنْ يَنْتَبِهَ إِلَيْهَا (مَارْك)،
بِحَيْثُ يَفْرِضُ عَلَيْهَا حَظرًا عَلَى الفِيسْبُوك،
وَسَيَجِدُ فِيهَا المُنَظِّرُونَ ضَالَّتَهُمْ،
بَعْدَ أَنْ يُضِيفُوا إِلَيْهَا تَحْلِيلَاتٍ مُنَاسِبَةً،
كَأَنْ يَقُولُوا:
كَانَتْ لِمُسَلَّحٍ لَمْ يَهْرُبْ فِي الوَقْتِ المُنَاسِبِ قَبْلَ القَصْفِ،
أَوْ لِعَاشِقٍ كَانَ فِي قَيْلُولَةٍ..
قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ لِمَوْعِدٍ سِرِّيٍّ،
أَوْ لِبِنْتٍ أَحْرَقَتْ شَظْيَةٌ شَعْرَهَا..
قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَ رَأْسُهَا تَمَامًا بَيْنَ الرُّكَامِ،
وَرُبَّمَا كَانَتْ لِشَاعِرٍ،
أَوْ رَسَّامٍ،
أَوْ مُوسِيقِيٍّ،
وَرُبَّمَا لَمْ يَعُدْ مُهِمًّا..
أَنْ يَعْرِفَ أَحَدٌ لِمَنْ تَكُونُ.
هِيَ لَيْسَتْ رَقْمًا بِالتَّأْكِيدِ،
لَكِنَّ الخَيَالَ لَمْ يَعُدْ صَالِحًا..
لِأَنْ يَلْعَبَ دَوْرًا فِي تَأْوِيلِ مَا لَا يُؤَوَّلُ.
وَلِفَرْطِ مَا يَبْدُو الوَاقِعُ جَارِحًا..
سَتَمْنَحُ الأُسْطُورَةُ المَشْهَدَ..
قُدْرَةً عَلَى أَنْ يَظَلَّ طَازَجًا وَذَا عُمْقٍ مُنَاسِبٍ،
بِحَيْثُ تَنْقُلُهُ الشَّاشَاتُ،
مَعَ إِضَافَةِ ظِلَالٍ مَا..
فِي المِسَاحَةِ بَيْنَ النَّصِّ وَالتَّأْوِيلِ.
وَلِأَنَّ الخَيَالَ مُفْرِطٌ فِي دِرَامِيَّتِهِ..
سَيَبْكِي الشَّاعِرُ كَثِيرًا،
وَرُبَّمَا يُفَكِّرُ جِدِّيًّا فِي الكِتَابَةِ،
رَغْمَ يَقِينِهِ بِأَلَّا كِتَابَةَ تَلِيقُ بِمَشَاهِدَ..
أَصْبَحَتْ تُكَرِّرُ نَفْسَهَا..
غَيْرَ عَابِئَةٍ بِتَوَسُّلَاتِ الخَيَالِ،
وَرُبَّمَا عَجْزِهِ عَنْ مُجَارَاةِ صَرْخَةٍ تَحْتَ الأَنْقَاضِ.
سَتَبْدُو المُوسِيقَا شُرُوخًا فِي بِنْيَةِ النَّصِّ،
وَيَبْدُو المَجَازُ وَاهِنًا حَدَّ المَوْتِ.
المَوْتُ…
مَتَى حَضَرَ إِلَى هَذِهِ الأَرْضِ؟
تُرَى..
هَلْ يَبْدُو السُّؤَالُ الأَهَمُّ (مَتَى غَابَ؟)
***
الحَرْبُ شَوْكَةٌ فِي عَيْنِ السَّمَاءِ،
وَمُعْضِلَةُ إِدْرَاكِ أَنَّهُ لَا نَجَاةَ مِنْهَا،
رُبَّمَا إِلَّا بِهَا،
وَلَوْثَةُ الدِّبْلُومَاسِيِّ وَهُوَ يَهْذِي..
فِي قَاعَاتِ التَّفَاوُضِ،
وَمُظَاهَرَةٌ..
حَدَّدَ الجِنِرَالُ شَعَارَاتِهَا،
وَنَزِيفٌ يَعْقُبُ نَزِيفًا..
دُونَ أَنْ يَجِفَّ الجُرْحُ.
الحَرْبُ…
حَيْثُ لَا مَلَاجِئَ آمِنَةً لِلغُبَارِ نَفْسِهِ،
وَلَا مُوسِيقَا جَنَائِزِيَّةً..
تَكْفِي لِتَشْيِيعِ وَرْدَةٍ،
وَلَا وَقْتَ لِتَحْزَنَ أُمٌّ عَلَى وَحِيدِهَا،
الحَرْبُ…
حَيْثُ لَا لُقْمَةَ لِفَمٍ،
وَلَا قَبْرَ لِشَهِيدٍ،
وَلَا فَائِضَ مِنَ الدَّمْعِ لِعَيْنٍ،
وَلَا طَلْقَةَ أَخْطَأَتْ فِكْرَةً.
* يَنَايِر ٢٠٢٤م