عبق الماضي البعيد

قصة قصيرة: رسل العبيدي – العراق
وأخيرًا فتح بابه ودنى نحوي ، عيناه تحدقان بملامحي، يخطو ثم يقف شامخًا يقول: الحياة أشبه بقبر مظلم، لقد تألمت كثيرًا من بعدك في هذا الزمن، الحياة فيها الكثير من المنغصات عليك أنّ تصبر كي تقاوم حين قسى علي الزمن لا أجد من أتكأ إليه، لكلّ يسعى نحوه مبتغاه.
عليك أنّ تختار من يصطحب معك المسير كمن ينقي لؤلؤة من البحر لقد اشتد نبض قلبي ، شعرت بضيق أنفاسي، أغمضت عينيه، حاولت استنشاق ما يستطيع من الهواء ذهبت إلى فراشي، شعرت بنض القلب أبي أبي أنا انحدرت وسط ضروريات الحياة من بعدك لم يعدُّ في مقدرتي كل هذا العبء.
إجابه الأب: هذا تألب الحياة آه يا أبي، تقرب نحوي كي أقص لك هذا الحدث في ليلة هادئة بين السكون والظلمة هبت عاصفة وأخذت معها أفئدة الخلق، أصبحت الحياة مضطربة وهذا ما جعلني أسمع نهيد السمك وهو في قاع البحر هذا الزمن مليء بالغرابة، في الماضٍ القديم كانت الناس متآلفة ومتكاتفة مع بعض وكيف تعيد هذه النفوس الطيبة إلى أصلها يا أبي؟.
ابتسم الأب يا حبيبي ليست بطبيعة كي أهتم بها ولا زجاج متناثر في الأرض كي أرممه هذه الأرواح تنافرت من الداخل، في زمننا قديم كانوا يعيشون بفطرتهم يذهبون إلى البادية ويجلبون معهم الأشياء ويتقاسمون بينهم، أستذكر جدي عندما تمر عليه أيام ولم يلتقي برفيقه يذهب ويسأل عنه على رغم من ذلك يقطع مسافات طويلة من السير على الأقدام حياة أجدادنا أجمل من حياتنا.
نعم يا حبيبي كم اشتاق إلى زمن أجدادنا وإلى أحاديثهم، اشتم رائحة عطر عتيق يفوح في أرجاء المكان، آه هذا العطر أثار بداخلي هواجس الحنين، هذا اللّيل يتلاشى مع أحزاني ويعيد مشهد الذكريات ببطء رحلت عنك رغمًا عني أسمع صدى بكائك كل يوم، وتنهمر مجرى دموعي، أبي لا تحرمني من همساتك أصحبت الأنفاس موجعة وتمزق قلبي؟ أخبرتك من قبل أننّي متواجد معك.
أبي هذه كلها أحلام وأوهام أبي أتمنى أن توقف ذاكرتي؟ أصبحت متكتف الأيادي في دواخلي شجن مملوء بالحزن، يا بني أن قصرت في حقك فلا تغضب مني يا ساكن شغاف قلبي أبي أنت موطني حين أتحسس بين ذراعيك كأنّي أحيا من جديد، هكذا أصبحت حياتنا تبكينا تارة وتفرحنا تارة أخرى حين وضعت هامتي على صدره شعرت بشيء كأنّه أزال هذا العبق نظرت إليه بطرف عيناي، ومن غير أن أحرك رأسي، فإذا طيفه جاء كعادته ليختلس النظر على ما سأقوله لك استغرقت في التفكير قليلًا، أرجوك لا تبتعد أنا في غربة موحشة حولي الأزهار وقد جف رحيقها واحترقت كمن يلقى في شعلة نار.




