العصا والجزرة  

سميرحماد | سوريا

 بات الكثير من مثقفي اليوم أكثر غموضا والتباسا في سلوكه وصورته, كالبهلوان يتأرجح بين رهانات المعرفة, ورهانات السلطة , بات يعرف كيف يبدل قمصانه ويغير أقنعته، ويسعى حثيثا ليدرج نفسه في خانة مثقف الحزب أو مثقف السلطة. هذا المثقف كان إلى الأمس القريب صاحب مشروع وفكر لا يفرّط فيهما, يخوض معاركه باستماتة, ولا يهاب الخطر من نفي وسجن وقتل, فما باله يغير مواقفه, بعد أن أصبح يعمل عند صاحب العصا أو الصولجان!

انقلب اليساريون على اليسار, دخلوا مدرسة العصا والجزرة, فبلعوا السنتهم وصمتوا, وبدؤا يبررون الاستبداد والفساد, ويدافعون عن انقلابهم على فكرهم, وعن مواقفهم عبر وسائل الإعلام, ومنابر الثقافة, التي تصدّروها, سقط رجل الثقافة, وارتد, معتبرا يساريته ضربا من العبث.

هؤلاء تغيروا, وحسبوا أن السلطة هي من تغيّرتْ؛ لكن الأنظمة لا تتغير بل يتغير من يدخل بيتها طائعا، ويتحول إلى ناطق باسمها, يسفّه رفاق الأمس, مدّعيا أنهم لا يفهمون, هؤلاء لا يقرؤن الواقع, بل يفترون عليه, إنهم أجادوا تغيير أقنعتهم وتغيير ألوانها.

إن تغيير المواقف نحو الأفضل, ضروري, وتجديدها بديهي, للخروج من المفاهيم والرؤى القديمة إلى الأحدث؛ لكن هذا لا يعني انحراف الأفكار وانقلابها وعكسها.

فهل يجوز أن يسكت المثقف الحقيقي على فساد الدولة والمؤسسات الثقافية والتعليمية, والحرب على اللغة, وعلى الحداثة والفكر التنويري, وعلى حرية التعبير والرأي, وعلى الإقصاء والتهميش, وإلغاء الآخر, ويتهم بالخيانة كل من ينتقد ويحتج ويفضح؟!

هؤلاء يطرقون الأبواب للحصول على المال والجاه ويكتبون ويظهرون اقتضاءً للموقف والحاجة الخاصة وهم في أرذل العمر وأرذل صور المثقف وتلوناته المشوهة. ألا بئس ما يفعلون!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى