سياسة

المقالات المحظورة لـ فهمى هويدى

د. رضا عبد الرحيم

      إذا كان الكاتب فهمى هويدى يرفض أن يتم تصنيفه ككاتب إسلامى، فإنه قد حدد مساره الفكرى فى الذود عن ما يؤمن به ويعتقده من أفكار، شأنه فى ذلك شأن كل صاحب قلم. ويرى أنه كاتب مستقل له انتماؤه الإسلامى، وتفوح من كتاباته رائحة الأصولية.
أما عن مقالاته التى تم حظرها- موضوع المقال- والتى جمعها الكاتب فى كتاب مستقل، أقر فى مقدمته بالعديد من الأمور الواجب التنويه عنها قبل عملية استقرأ تلك المقالات، والخروج مما تحتويه من معان ومضامين لها دلالاتها الثرية القيمة ؛ وهذا المقصد من قراءة فكر الكاتب – الجدير بالقراءة والإمعان فى التفكير- وتقديمه كفكر تنويرى حقيقى، خاصة أن ما تناولته المقالات من مواضيع- تعود تاريخيا للفترة من 1989- 1997)، وعددها ثمان وثلاثون مقالة-مازال محل نقاش واختلاف كبيرين فى الوقت الراهن. )
فى مقدمة الكتاب، يوضح الكاتب أن كلمة” المنع” لم تستخدم فى حظر أى من مقالاته فى مصر أوالوطن العربى، ولم يؤشر عليها بأى كلمة أخرى تفيد هذا المعنى، ولكن كان يُبلغ بأنه تم تأجيل نشر المقالة.. كما يقر بأن هامش الحرية المتاح للحديث عن الشأن الداخلى فى مصر يظل- رغم كل شىء- أوسع منه فى العديد من الأقطار العربية الأخرى.
لم أتوقف عند القضايا والآراء، المرتبطة بأحداث خاصة بشخوصها، لكونها نالت فى وقتها الكثير من الضوء المكثف، الذى لا يزيد الرؤية بقدر ما يحجبها مثل( إقالة زكى بدر،قضية ناصر أبوزيد، مقتل فرج فوده)، فثمة فرقا ضروريا بين المثقف والندابة- على حد قول فهمى هويدى نفسه- تلك التى لا هم لها إلا الصراخ والعويل ولطم الخدود وشق الجيوب فى المناسبة، ثم نسيان الأمر والتحول إلى غيره بمجرد أن ينتهى الوقت المحدد للإرسال.
لكن إعادة قراءة مقالات هذا المفكر القدير، هى فى الأساس عملية تشريح ليس للعقل المصرى والعربى فقط، بل تتعداها إلى تشريح مخاوف هذا العاقل، عن طريق طرح الأسئلة الجريئة، التى نلجأ عادة إلى الهروب منها بالمراوغة أو التغافل عنها بالكلية ..فالراسخ فى يقين المفكر أنه لا تخش على مجتمع يراجع نفسه ولا يتردد فى الكشف عن أخطائه وعيوبه، لأنه بذلك يطهر روحه ويجدد خلاياه أول بأول، ومن ثم يحافظ على حيويته وشبابه .لأجل ذلك فكلما اتسع نطاق المراجعات فى مجتمع ما، كلما كان ذلك دالا على عافيته وعلامة على حصافته ويقظة عقله.
أركز هنا، فى هذا المقال، على هذا الجانب الاجتماعى دون غيره؛ لإيمانى الشخصى بأنه الأهم والأكثر تأثيرا فى تنوير أى مجتمع ، كذا ما استشعرته من تركيز الكاتب على فكرة إيقاظ الوعى المجتمعى بهدف بناء مجتمع راقى ؛ يكون للمواطن فيه دورا إيجابيا بعيدا عن كل هذا العبث( إشغال الرأى العام بقضايا بعيده كل البعد عن حياتهم وشواغلهم الأساسية)، الذى يهدر الخاص والعام، وهو الذى يمس الأفراد وأمورهم الشخصية، وينال من ثوابت الأمة ومقدساتها.
فالكاتب يضعنا أمام أنفسنا، عندما يجعل من القيم الاجتماعية السائدة لأى مجتمع، أساسا لإنجاح التنمية أو النهضة، وهو الجانب الذى تمنيت أن نزيح الستار عن حقائقه، وأن نتحدث بصراحة عن أوجه القصور فيه . فيقول : إن مجتماعتنا بحاجة مُلحة لأن تربى من جديد، وأننا صرنا نفتقد قيما أساسية، مطلوبة لاستقامة أى مجتمع ورد العافية له، لا أتحدث هنا عن العناوين الكبيرة، مثل الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان وغير ذلك، يتعلق بالأخلاق والفضائل الشخصية والاجتماعية، من النظافة والأمانة والإتقان واحترام الوقت وغير ذلك.
وفى مقال آخر يعظم قيمة الحوار المجتمعى ، وضرورة الالتزام بآداب ذلك الحوار من قبل كل الأطراف .ويعلمنا إن القيم لا تملى على الناس. وفكرة”مواثيق الشرف” باتت عقيمة ومعدومة الجدوى، بعد ابتذالها فى واقعنا العربى. ويعود بنا إلى قضية “تربية المجتمع” مرة أخرى مؤكدا على أن المجتمع يربى كما يربى الأفراد ، وذلك لا يتحقق بمجرد وعظ الناس ودعواتهم إلى احترام قيم الحوار وآدابه، والقبول بالتعايش مع الآخر المختلف. وإنما يتحقق بصورة أجدى من خلال الممارسة العملية، وتقديم القدوة التى تمثل قيم الحوار الشريف وتجسدها.
ثم يوضح ببساطة يحسد عليها ، فى مقال مائز حق الأفراد فى المجتمع فى المعرفة، ودور هذه المعرفة فى وعى المجتمع ككل قائلا: المعرفة ليست هدفا بحد ذاتها، فليست المسألة فضولا يراد إشباعه، ولا خبرا يراد الانفراد به أو السبق إليه. ولكن المعرفة زسيلة للفهم، والفهم هو الطريق الوحيد للمشاركة. والمشاركة هى حجر الأساس فى العملية الديمقراطية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى