وهم الوصاية الأردنية
بقلم: سهيل كيوان
حاولت إسرائيل منذ قيامها أن تظهر للعالم بأنها تحترم حرية العبادة وتتيحها للجميع، والحقيقة أنها نجحت إلى حدٍ كبير في رسم هذا الانطباع لدى أصدقائها عبر العالم. رغم ما هدمته عام النكبة، فقد أبقت على بعض المساجد والكنائس في القرى المهجرة «احتراما للمقدسات»، ولم يشوش هذه الصورة الإيجابية سوى تحويل بعضها لاحقاً إلى معارض فنية ومقاهٍ أو حظائر للأبقار.
بعد احتلال عام 1967، رفعت شعار حرية العبادة للديانات الثلاثة، ثم منحت الأردن وغيره من الرأي العام المهتم شعورا، بأن المقدسات في القدس تحت الوصاية الهاشمية، حيث يتكفل الأردن بترميم الأماكن المقدسة، ودفع أجرة الموظفين فيها، وتجديد قبة مسجد الصخرة وما تحتاجه من عتاد وأثاث وسجاد وإضاءة وغيرها، أي أن الاحتلال زرع وهماً لدى فئات واسعة بأن وضع المقدسات في القدس بقي كما كان قبل احتلال 1967. وهو ما بات معروفاً بالوضع القائم. لكن الوضع القائم بالنسبة لحكومات إسرائيل هو استمرار ما بدأت به حكومات سابقة منذ أيام حزب العمل، ويعني قضماً للأرض، والتضييق على المقدسيين وسحب الإقامات منهم، واحتلال مئات البيوت أو هدمها، ولكن بهدوء وبمسوغات «قانونية»، ومن خلال اختلاق خلافات على ملكية ولو بتزييف وثائق، إضافة إلى محاولات شراء مستمرة، وليس في القدس لوحدها، بل في كل الضفة الغربية، كل هذا يجري وبالكاد تسمع استنكاراً عربياً أو دولياً، لأنه يجري بضجيج أقل. فقط حين ينشأ موقف مستفز جدا، مثل دخول وزير إلى حرم المسجد الأقصى كي يسجل فيديو لجمهوره، ليثبت «من هو صاحب البيت هنا»، حينئذ يخرج قادة عرب وآخرون من العالم يدعون إلى الحفاظ على الوضع القائم، وأنهم لا يعترفون بالتغييرات التي يجريها الاحتلال من طرف واحد، ولا على وضع المسجد الأقصى وغيره من المقدسات. هذا الرفض والقلق الذي يبديه هؤلاء القادة، لا يترجم إلى عمل حقيقي، والعكس صحيح، فالتعاون والتنسيق والاتفاقات في كل المجالات تستمر وتتفاقم مع دولة الاحتلال، آخرها مثلا إعلان تعاون عسكري مغربي – إسرائيلي، علما أن رئيس لجنة القدس هو الملك محمد السادس وقبله سلفه الراحل الملك الحسن. هذا يعني أن مشكلة القادة العرب المستنكرين ليست مع الاحتلال كمبدأ يجب التصدي له، بل على الطريقة التي يدار فيها هذا الاحتلال، هل هي مستفزة أو غير مستفزة.
لن تؤخذ مواقف القيادات العربية على محمل الجد، ما لم يستفزها هدم بيوت ومصادرة أراضٍ ومنازل، ولا حتى عندما يقتلُ أطفالٌ، يستنكرون من جهة ويستمر التنسيق ويتفاقم التعاون. حاول السفير الأردني يوم الثلاثاء الماضي الدخول إلى الأقصى، كي يرد بهذا على استفزاز وزير الأمن الداخلي الفاشي بن غفير، الذي اقتحم الأقصى بعد توزيره. كما يبدو أن السفير غسان المجالي أراد القول إن هذا المكان برعاية هاشمية، ولكنه مُنع من الدخول إلى المسجد الأقصى وتصدى له شرطي أزعر مُدجج، ودفع مساعده من صدره، كما يتعامل مع أي حالة جنائية، ولم يشفع له أنه سفير لنظام يقيم علاقات خاصة مع إسرائيل على الأقل منذ عقدين ونصف العقد. الحكومة الجديدة في إسرائيل تسعى إلى كسر القواعد المتفق عليها، وكما يبدو أنها ترى أن الفرصة مواتية لتقول للأردن، نحن أسياد هذا المكان وليس أنتم أو غيركم. ممكن للحكومة الجديدة بتطرفها أن تعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة، بعدما أزيحت إلى مكان متأخر دولياً وعربياً. لقد وصلت الفئات المُتطرفة إلى ما وصلته من عدم اكتراث إلى ردود الفعل نتيجة الهرولة إلى التطبيع العربي، بل التعاون العسكري والأمني المعلن وغير المعلن.
شعارات عدم الاعتراف بضم القدس أو أراضٍ فلسطينية إلى إسرائيل فارغة من محتواها، وهي ضريبة كلامية موجهة إلى الاستهلاك الداخلي في الوطن العربي. لا يفطن القادة العرب إلى جرائم الاحتلال، إلا عند وقوع أحداث ممكن أن تفجر الأوضاع لدرجة خشيتهم فقدان السيطرة عليها، فالشعب الفلسطيني لم يرضخ للأمر الواقع في السابق، ولن يرضخ في المستقبل، بغض النظر عن من يحكم في إسرائيل. المهم أن قيادات إسرائيل تتفهم القادة العرب جيدا وتحتوي استنكاراتهم، وتعرف الضغوط الداخلية في كل بلد، يعني» حقكم تزعلوا بس نعمل إيه مع شوية العيال كثيرين الغَلبة دول».