فكر

فلنُصغِ إلى درس السلحفاة

د. هبة العطار| أكاديمية وإعلامية مصرية
أدركت في لحظة صفاء أن السلحفاة أكثر حكمة من الأرنب، وأن الركض في هذه الحياة ليس غاية، ولا الفوز بالنهاية السريعة هو معيار التفوق. فما قيمة أن تصل إلى القمة منهكا، إذا كنت قد فقدت روحك في الطريق، وما جدوى أن تبلغ خط النهاية فارغًا من المعنى، خاويا من السلام.
الأرنب يركض ظنا منه أن الزمن عدو يمكن الانتصار عليه، يقفز قفزات متلاحقة كمن يهرب من ظل نفسه. لكنه لا يدرك أن الزمن لا يقهر بالسرعة، وأن الهروب لا يمنح أمانا. أما السلحفاة فقد فهمت سر الوجود: فهمت أن العمق أثمن من المسافة، وأن البطء الممزوج بالوعي أقدر على كشف جمال الحياة من سرعة عمياء لا ترى شيئا.
الركض الدائم يحول العمر إلى سباق لاينتهي، نصبح فيه غرباء عن أنفسنا، نلهث وراء أهداف متغيرة، وننسى أن القيمة في الرحلة لا في خط النهاية. وحدها السلحفاة تمشي بخطى واثقة، لا تتعجل، ولا تسمح للوقت أن يسرقها من ذاتها. فهي تدرك أن الوصول الحقيقي هو أن تصل إلى روحك وأنت ما زلت حي القلب، متصل بالمعنى، ممتلئ بالطمأنينة.
الحياة لا تطلب منا أن نسبق أحدا، بل أن نبلغ انسجاما مع ذاتنا، أن نحتفظ بسلامنا في قلب العاصفة، وأن نرى الجمال في تفاصيل صغيرة ربما لايلتفت إليها السريع. الحكمة ليست في أن تصل أولا، بل في أن تصل كاملا، وأن تظل حاضرا في كل لحظة، كأنك تعانق سر الوجود.
فلنصغ إلى درس السلحفاة: لا شيء يستحق الركض، فالمعنى يسكن في البطء، في الإصغاء، في صبر يشبه صلاة صامتة، وفي سفر داخلي يجعل من كل خطوة وطنا، ومن كل لحظة حياة كاملة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى