أدب

انكسار في مكان لا يرى

مالك البطلي | العراق

لم أكن أعلم حينها أن الطفولة
شظيّة لؤلؤ في قشرة رُمّان رقيقة
تنفجر في يدي
إن لمستها بغير قصد

كنتُ أظن اللعابة
قطعة بلاستيك صغيرة
لكنها كانت
حبل سرّة من نور قديم
يصل بين لوعة وسماء بعيدة

حين كسرتها
سمعت ارتطامًا داخليًا
كأن بئرًا سقطت في بئر أخرى
وانكسر يوسف
في بئر مرايا لا يرى

كلّ هذا الغضب
الذي سكنني
لم يكن سوى طائر أعمى
يخبط بجناحيه على نافذة القلب
ويغرق في زجاجه المكلوم
مثل نجم يختنق في ليل أعمى

منذ تلك اللحظة
أغسل أصابعي بالملح
وأُعلّقها على حبل من ونين صامت
كي لا تجف من دمعها
أراقب ظلّي وهو يتقلّص
يصبح أصغر من ( بنفسج )
وأكثر هشاشة
من لعبتها المكسورة

لم أصرخ
لم أستطع حتى الاعتذار
الندم جاءني متأخرًا
كقطار ضائع في ليل جنوبي
يبحث عن (حمد)
الذي رحل وترك
السكةَ تنوح كأرملة
وما زال صوتها يُغمى عليه
كلما جلس غريب
على مقعدها الفارغ

في الليل
أشمّ رائحة البلاستيك المكسور
المسكور…
كقلبي المسخم
فتصعد منه
أرواح صغيرة
مخاوف
وشامات من طفولة كانت آمنة

كلّ بيت أسكنه الآن
أراه قفصًا من زجاج بارد
والأبوابُ مرايا
تفضح ارتجافة يدي
كلّما حاولت لمسَ الأشياء

أجلسُ أمامها
هي تنام بهدوء
كغابة غُرست أمسَ في قلبي
وأنا أُحدّث نفسي
عن جريمة صغيرة
لكنها حفرت صدري بخنجر من هواء

في الخامسة نواحًا
أكتبُ هذه الدموع
كي لا أعودَ إلى ذلك الحزن أبدًا
كي لا أسمع انكسار لعبتها
في صدري مرةً أخرى
لكنّ الصوتَ يتبعني
كعكاز أعمى
كظل بلا نهاية
كحزن شاعر أدرك متأخرًا
أن كل غضب
هو سكين على جسد الطفولة

أدرك أنّني كسرت جزءًا
من نفسي
ومن نفسها
كسرت جزءًا
من روحها
من ضحكتها

لم يبق سوى صدى الحزن
يمتد في الغرفة…
وآخر كلمة ظلّت ترن في أذني
(بابا ليش؟
مالتي الحلوة ليش كسرتها؟)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى